الصدقات في الإسلام ليست إشهارًا

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٦/أبريل/٢٠٢٠ ٢١:٥٦ م
الصدقات في الإسلام ليست إشهارًا

بقلم: علي بن راشد المطاعني
في الوقت الذي تمر فيه البلاد بأزمة نكاد أن نقول عنها بأنها طاحنة جراء مواجهتنا مع بقية دول العالم لفيروس كورونا، وما تلا ذلك من انخفاض في أسعار النفط وتعطل كل مكامن العمل والإنتاج، وحاجة البلاد والعباد إلى أصحاب الخير للتبرّع لدعم الجهود الوطنية الرامية لمواجهة أعباء وتبعات الجانحة .

إلا أن بعض المقتدرين - بفضل الله وجوده - نراهم في وادٍ آخر كأنهم غير مدركين لأبعاد القضية ومن كل زواياها، اتضح ذلك من خلال الإعلان عن تبرعات لهم يمكن وصفها بالضعيفة ولا تتناسب مع الحدث، كما أنها أقل قامة من أن يُعلن عنها في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وبما أنها كذلك فلربما - والله أعلم - بُذلت للاستهلاك الإعلامي والاجتماعي وليس لمنازلة كورونا في عقر دارنا، الأمر الذي يتطلب من جهات الاختصاص ضبط هذه التبرعات والتحفظ على إعلانها إلا بعد تقييمها من قبل لجنة مختصة لترى إن كانت تستحق شرف الإعلان عنها أم لا .

لقد حضنا الدين الإسلامي الحنيف في مواضع كثيرة في القرآن والسنة النبوية على عدم إشهار الصداقات والتبرعات وعدم المنة على الوطن والمجتمع مصداقا لقوله تعالى في الآيات من 262 إلى 264 من سورة البقرة: )الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)، (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ .. ) صدق الله العظيم، وغيرها من الآيات الكريمة والأحاديث والسنن النبوية التي تحثنا عن فضل وأفضلية كتم الصدقات، فما بالنا إن كان الأمر يخص الوطن الذي لم يبخل على بنيه يوما بالغالي والنفيس.

فاليوم نرى نماذج لتبرعات بأسطوانات غاز لأماكن الحجر المؤسسي، وآخرين بمياه للشرب، وبعضهم بمساكن وشقق في أماكن بعيدة وغيرها من الأمثلة التي لا تستحق أن يُعلن عنها لضآلة قيمتها .

للأسف بعض الحسابات الرسمية وشبه ا‏لرسمية تروّج لمثل هذه التبرعات الضعيفة وتصوّر مانحيها كأصحاب بر وإحسان في حين أنها ومن حيث لا تدري تضع نفسها في مواقف لا تُحسد عليها، إذ ينبغي أن يكون هناك حد أدنى للتبرعات التي تستحق الإعلان عنها تحفيزا للآخرين وإظهارا لحجم الجائحة، وفي ذات الوقت فإنها تحافظ على سمعتها وعلى الدور المهم الذي تؤديه اجتماعيا .

إن الازدواجية في تنظيم التبرعات في مثل هذه الأزمات أمر غير محبذ بين الجهات الرسمية وغير الرسمية؛ فالأزمة واحدة ويجب أن تتضافر الجهود لتوحيدها تحت مظلة واحدة تسع الوطن كله، فالصندوق الوقفي الذي أُعلِن عنه ربما كان كافيا لتنظيم التبرعات من جانب الجميع نزولا عند رغبة المجتمع في المساهمة في تعزيز الجهود الصحية، وعلى الجهود الأخرى الانضواء تحتها، وتسليم كل التبرعات له والإيعاز لمن يرغب في التبرع التوجه إلى الصندوق، وذلك بالطبع أفضل من تبعثر الجهود كما هو واقع حاليا .

في مطلق الأحوال وبناء على هذه المشاهد التي لا تسر ينبغي أن تحدد نوعية التبرعات بالمادية فقط، ليتسنى للجهات المعنية الرسمية وغير الرسمية ضبط إيقاع بعض الممارسات غير الإيجابية في هذه الصدد .

ولله الحمد فقد تم الإعلان عن حسابات الصندوق الوقفي الصحي في البنوك الوطنية بهدف التبرّع بدون إشهار وبدون صخب إعلامي يشغل الناس ويثير الكثير من القيل والقال؛ فالأزمة لا تحتمل الكثير من الكلام، بل القليل منه يكفي ليبقى الكثير منصبا على العمل ومخرجاته مقترنا بالصمت الجميل .

نأمل أن نلتزم بما نص عليه القرآن الكريم والسنة النبوية بشأن الصدقة والصدقات، وإنه كلما جهلت اليد اليسرى ما قدمته اليمنى كلما كان للصدقة أثرها وجدواها في الألواح المحفوظة عند المليك المقتدر.