لماذا تمنع "الأوقاف" جمعيات من تحصيل الزكاة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٠/مايو/٢٠٢٠ ١٩:٣٩ م
لماذا تمنع "الأوقاف" جمعيات من تحصيل الزكاة

بقلم: علي بن راشد المطاعني

اطلعت على خطابات وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ووزارة تقنية المعلومات والاتصالات حول تعليق برنامج الزكاة الإلكتروني (التبرّع) الخاص بالجمعيات والفرق الخيرية المسجلة لدى وزارة التنمية الاجتماعية والمُعترف بها بالسلطنة، وأشار الخطاب إلى أن وزارة تقنية المعلومات والاتصالات تلقت مكتوبا من مدير دائرة الزكاة بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية يفيد بعدم حصول الجمعيات المشهرة بقرار وزاري على تصريح لتجميع أموال الزكاة وبالتالي إيقافها من استلام الزكاة بطرقها الإلكترونية.
الأمر الذي يبعث على الاستغراب لهذا التعاطي من جهات رسمية مسؤولة عن الزكاة يتطلب أن تكون هي الداعم الأكبر لهذه الجمعيات التي تتبع وزارة التنمية والتي تقوم بدور كبير في الحقيقة باهتمامها البالغ بالعمل الخيري وجهودها لتجميع التبرعات والصدقات لتعيد منحها للأسر المعسرة وأسر الضمان في أفضل عمليات التكافل الاجتماعي والعمل الخيري في السلطنة وبإشراف وزارة التنمية الاجتماعية وجهات أخرى التي هي من صلب عملها واختصاصها.
ويتطلب إيجاد مخرج لهذه الجمعيات والفرق الخيرية التي تعتمد في إيراداتها على أموال الزكاة عبر التبرّع الإلكتروني وغيره من صور التبرّع التي تجتهد فيها لتحقيق غاياتها وتأكيد دورها الخيري الملموس في البلاد وبطرق علمية منظمة أكثر مما تقوم به جهات رسمية ذاتها، وهو ما يتطلب تسجيلها في دائرة الزكاة بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية إذا كان هذا عائقا.
فأداء الجمعيات الخيرية أفضل وشفافيتها أحسن في إدارة مواردها والكل يشهد لها ويُثني على إشراف وزارة التنمية الاجتماعية لها باعتبارها المسؤولة عن تنظيم العمل الاجتماعي في السلطنة، بل إن الجمعيات الخيرية والتطوعية لها جهودها التسويقية والتعريفية لجلب تبرعات وزكوات تسهم في رفد جهودها الخيرية في المجتمعات، وتطوّرها وتفاعل الناس معها ناتج عمّا يشاهدونه من أعمال خيرية على أرض الواقع وتزايد أعداد المنتفعين من تبرعاتها وبرامجها خاصة مثل جمعية دار العطاء وجمعية الرحمة لرعاية الطفولة والأمومة وجمعية بهجة العمانية للأيتام، لما تتميز به من الشفافية والمصداقية في التعاطي مع العمل الخيري.
فالجمعيات لديها إمكانيات بحثية من خلال فرق متخصصة تقوم بدر‏اسات اجتماعية على الأسر المحتاجة للتأكد من استحقاقها للإعانات والتبرعات والزكاة، فلا تُمنح أي مساعدات بدون التأكد من عوزها من عدمه، ويمكن لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية أن تتأكد من ذلك من خلال الأدلة الاسترشادية أو أي طرق أخرى حول مدى تطبيق الشروط التي تعمل عليها هذه الجمعيات.
فإذا كانت الوزارة لا ترغب في أن تتيح التبرّع الإلكتروني للجمعيات فعليها أن تمنح كذلك أموال الزكاة لوزارة التنمية الاجتماعية والجمعيات التي لديها البيانات الدقيقة من واقع الدراسات الاجتماعية لأسر الضمان الاجتماعي‏، فحتى وزارة الأوقاف نفسها ولجانها بالولايات ليست لديها البيانات الدقيقة عن أوضاع الأسر المحتاجة وليست مخوّلة بالدراسات الاجتماعية، وهو ما يتطلب أن تخرج بصيغة متوافقة تفتح آفاقا أوسع للجمعيات لتستفيد من الزكاة في تمويل احتياجاتها والتزاماتها تجاه المحتاجين في البلاد.
من جانب آخر فإن المواطنين لهم حق اختيار الجهة الرسمية التي يثقون بها، والتي اعتادوا عليها في دفع زكاتهم، فلا يجوز قانونا ولا شرعا ولا عُرفا جبرهم على جهة قد لا يرغبون في صرف زكاتهم لها، بل قد يؤدي ذلك إلى إحجام بعض المزكين عن أداء زكاتهم أو دفعها بطرقهم الخاصة داخل وخارج السلطنة، فهنالك من يجمع زكوات ويرسلها إلى دول إفريقية وآسيوية وبدون غطاء رسمي وقد تكون لجماعات غير آمنة على أوطانها، بينما تعمل هذه الجمعيات تحت مظلة يحكمها القانون وهدفها تحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي والفكري.
بل إن بعض الجمعيات ترعى الفئات المستحقة للزكاة مثل ذوي الإعاقة والجمعيات الطبيّة والأيتام والأرامل وغيرها من الفئات المستحقة، مصداقا لقوله تعالى ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾، فهؤلاء أولى بأموال الزكاة من غيرهم من فئات المجتمع، وهذه الجمعيات تعاني الكثير في تغطية نفقاتها على هذه الشرائح ومن حرمانها من الزكاة الواجبة لأمر إجرائي غير ملائم، في المقابل توزع أموال الزكاة بدون دراسات اجتماعية وبيانات دقيقة من خلال لجان الزكاة بالولايات.
نأمل من الجهات المختصة أن تعمل على إفساح المجال للجمعيات التطوعية والخيرية لتستقبل الزكاة وفق أسس ومعايير من المراقبة التي تتولاها وزارة التنمية الاجتماعية وفتح آفاق واسعة أمامها لأداء دورها بدلا من الانغلاق وزيادة الضغوط عليها في الوقت الذي تقوم به بدور أكبر من بعض الجهات الرسمية ذاتها في أداء واجباتها الاجتماعية والإنسانية.