توازنات الإدارة المالية للدولة

مقالات رأي و تحليلات السبت ١٦/مايو/٢٠٢٠ ١٩:٣٢ م
توازنات الإدارة المالية للدولة

بقلم: علي المطاعني
الإدارة المالية للدولة مسألة معقّدة أو متشابكة للغاية إزاء التوفيق بين العديد من الجوانب الاقتصادية الهادفة إلى رفد التحفيز الاقتصادي وفي ذات الوقت ضبط الإنفاق المالي للحفاظ على المكانة المالية للدولة، وما بين هذا وذاك الكثير من التوازنات تتنازعهما الكثير من الأمور التي تتطلب قدرا من الحكمة في الإدارة والاتزان في التعاطي، خاصة في أوقات الأزمات التي تشتد الحاجة فيها إلى هكذا إجراءات تتطلب من الجميع تفهمًا لمراميها وتقديرها والتفاعل الإيجابي معها سواء جهات حكومية أو شركات أو مواطنين، ومن أجل إعلاء شأن مصلحة هذا الوطن بين الأمم والشعوب، لذا فوزارة المالية وما تبذله من جهود كبيرة في الإدارة المالية للدولة يجب أن يُقابل بالمزيد من الترحيب وخطوات مماثلة في الالتزام، بل وبالمبادرة للإسهام الفاعل في هذا الجهد المالي الوطني الذي يُعدّ العمود الفقري في بناء الدول وإدارة الحكومات، الأمر الذي يبعث على الارتياح لما تبذله الوزارة من خطوات إيجابية في ضبط الإنفاق مع تأكيدها على عدم المساس بالخدمات العامة للمواطنين.
والمنشورات التي أصدرتها وزارة المالية بتخفيض موازنات الوزارات والوحدات الحكومية تنفيذا للتوجيهات السامية التي قضت باتخاذ كافة الإجراءات المالية اللازمة لمواجهة الآثار الناتجة عن انخفاض أسعار النفط وانعكاسات الجائحة، هي إجراءات تهدف لتقليل عجز الموازنة العامة بالطبع، فتخفيض الإنفاق لا يكمن في الآليات والقرارات والمنشورات، بل في الالتزام من ناحية وإيجاد المزيد من المبادرات من ناحية أخرى، والعمل التلقائي في وقف أي هدر لا يستقيم مع المصلحة الوطنية، وهذه هي الأمانة عينها التي أشار إليها المولى عز وجل في سورة الأحزاب (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (72).
فالتوجيهات بإجراء تخفيضات بنسبة 10% على الموازنة المعتمدة لجميع الوحدات المدنية والعسكرية والأمنية لعام 2020، والتفاوض مع أصحاب العقارات المستأجرة من قِبل الوحدات الحكومية لتخفيض إيجاراتها بنسبة لا تقل عن 10%، ووقف كافة الحفلات والفعاليات غير الضرورية ما هي في الواقع إلا الحدود الدنيا التي يجب تحقيقها وبلورتها، وهناك الكثير مما يلينا يجب أن نبادر بتخفيضه تتابعا، فهكذا أزمات طارئة تحتاج لجهد كل مواطن أو موظف أو مسؤول؛ فالوزارة لم تبخل في وقت اليسر والواجب الأخلاقي الوقوف معها ومساندتها في أوقات العسر كمواطنين صالحين وأتقياء، بل هو يوم رد الجميل باسم الوطن بأجمل منه أملا وعشما في أن تصل نسبة الخفض لأكثر من النسبة المحددة بـ 10%.
فهناك الكثير من البنود والمصاريف والإيجارات انتفت الحاجة إليها في ظل هذه الظروف، وإدارة منزل وتخفيض نفقاته وكذلك تخفيض نفقات الشركات الصغيرة يصيب أصحابها بالسهر والحمى، فماذا عسانا أن نقول عن الإدارة المالية للدولة بكل ما فيها ومَن فيها؟
بالطبع التحديات ستظل ماثلة أمامنا ولكن يجب أن نحوِّلها إلى فرص عمل، والتكيّف مع المتغيّرات والبحث عن البدائل عوضا على البكاء وذرف الدموع، ولتكن هذه الأزمات درسا لنا في قادم الأيام نستنبط من خلالها توجهات جديدة في العمل الوطني شعارها الاعتماد على النفس واتساقا مع ما قاله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه: "اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم".
نأمل أنْ نقدِّر عاليا الجهود المبذولة من وزارة المالية في إدارة المالية العامة للدولة والحفاظ على مكانتها المالية، وهذا لن يتأتى إلا من خلال تضافر الجهود وتكاتف كل الجهات والمسؤولين وأبناء الوطن لعبور أنفاق هذه الأزمات الطاحنة، فالشعوب الحية والأمم الناهضة تخرج من رحم الأزمات منتصرة بكل ما سبق ذكره أعلاه، والله على ما أقوله شهيد.