أساليب التنشئة الوالدية في ظل الحجر المنزلي

بلادنا الثلاثاء ٢٦/مايو/٢٠٢٠ ٢٠:٠١ م
أساليب التنشئة الوالدية في ظل الحجر المنزلي

مسقط - ش

نفذ برنامج المرصد الاجتماعي بمجلس البحث العلمي مؤخرا حلقة نقاشية افتراضية عبر إحدى برامج الاتصال عن بُعد بعنوان "أساليب التنشئة الوالدية في ظل الحجر المنزلي"، وأدار الحلقة الدكتور سعيد بن سليمان الظفري مدير المرصد الاجتماعي بمجلس البحث العلمي، وذلك باستضافة كل من صاحبة السمو السيدة الدكتورة تغريد آل سعيد أستاذ مساعد بقسم علم النفس بكلية التربية بجامعة السلطان قابوس، صاحبة حضانة كتابي جليسي ورائدة في مجال العمل التطوعي المجتمعي، وجناب السيدة بسمة آل سعيد - وهي أخصائية في الصحة النفسية والتنويم الايحائي الاكلينيكي، وصاحبة عيادة همسات السكون للاستشارات النفسية ولها كثير من المبادرات المجتمعية المتميزة، وبمشاركة 65 مشاركا من داخل السلطنة وخارجها، من الأكاديميين والباحثين وأولياء الأمور.
ابتدأت الحلقة النقاشية بإلقاء الضوء على أساليب التنشئة الوالدية الشائعة لدى الأسر العمانية، وخاصة في ظل الجائحة، وهنا أشارت صاحبة السمو السيدة الدكتورة تغريد آل سعيد إلى أن موضوع التنشئة الوالدية هو موضوع ذا أهمية، ويتصدر القضايا اليوم كوننا جميعا ملتزمون بالحجر المنزلي، فهو فرض على الجميع، وكلنا خبرنا هذه التجربة ولا نزال؛ لذلك قد تظهر عدة تحديات لدى الأسرة سواء تلك التحديات التي تظهر بين الوالدين أنفسهم أو بين الوالدين وأولادهم، ومن جهتها فقد أوضحت أن أساليب التنشئة الوالدية تظهر في خط متصل تتوزع من أقصاه إلى أقصاه، فهناك أسلوب التسلط الذي يظهر في أقصى الخط يمينا والاهمال الذي يظهر في أقصى الخط يسارا، وبينمها أساليب سوية وسطية كأسلوب الحزم أو أسلوب العطف مع الالتزام بالضوابط والتعليمات والقوانين، وتتعدد الاساليب الوالدية فمنها المتذبذب، والحماية الزائدة، والتساهل، والتسامح، والعداء، والنبذ العاطفي، والتفرقة في المعاملة. وتضيف صاحبة السمو بأن تبني الوالدين لهذه الأساليب في التنشئة إنما راجع لعدة ظروف وعوامل مختلفة كـحجم الأسرة ومدى اتصالها بالأسرة الممتدة، وموقعها الجغرافي، ومكان سكنها، وغيرها من العوامل.
وعن أكثر الأساليب الوالدية شيوعا في التنشئة، تحدثت جناب السيدة بسمة آل سعيد من واقع خبرتها في التعامل مع الأسر وأولياء الأمور الذين يطرقون باب عيادتها النفسية، فتقول أن الأساليب الوالدية الأكثر شيوعا في المجتمع العماني اليوم تنقسم قسمين، هناك من يعامل أطفاله بالأساليب التقليدية المستقاة من العادات والتقاليد (الحزم الشديد، الأطفال ليس لهم كلمة ،..الخ)، وهناك من يعامل أطفاله بأساليب تنشئة حديثة (الحوار مع الطفل، للطفل حق في اتخاذ القرار والتعبير ..الخ) وفقا لما تيسر لهم من وعي حول أساليب التربية نتيجة القراءة والتواصل مع أهل الاختصاص، وتعبر من وجهة نظرها أن هذا الانقسام قد يؤثر سلبا على الطفل فمثلما نحن نحافظ على تنشئة الطفل تنشئة نابعة من عادات المجتمع وتقاليده فينبغي في ذات الوقت عدم تقديس كل ما هو آت من العادات والتقاليد، وترى بضرورة الانفتاح على الجديد من أساليب التنشئة، وكذلك الحال بالنسبة لمن أخذ بالأساليب الحديثة عليه أن يقنن استخدام تلك الأساليب بما يتناسب مع الثقافة والعادات والتقاليد وشخصية الطفل . ومن جهتها تدعو جناب السيدة بسمة إلى تبني الاساليب المتزنة في تنشئة الاطفال بالجمع بين القديم والجديد، ونادرا ما يتم هذ الجمع، أو بالأحرى هناك من الوالدين من يتعسر عليهما اتخاذ الاساليب المناسبة للتنشئة، ولهذا يأتون العيادة لأخذ الاستشارات المناسبة لظروفهم.
وحول الحديث عن العوامل المؤثرة في الأساليب التي يتبناها الوالدان في تعاملهم مع الأطفال، والتي تجعلنا نجد تباينا في الأساليب الوالدية لدى الأسر في المجتمع العماني، قدمت صاحبة السمو السيدة د. تغريد آل سعيد موجزا عن تلك العوامل والتي قسمتها إلى أربعة أقسام (العوامل الشخصية، العوامل الأسرية، العوامل المجتمعية، العوامل العالمية)، وكلها تؤثر بدرجة أو بأخرى في تبني تلك الأنماط، وتفند العوامل الشخصية للوالدين بوصفها أكثر العوامل تأثيرا في تبني أنماط معينة دون غيرها، فحينما ننظر إلى الأب أو الأم فإننا ننظر إليهما بوصفهما إنسانان، وترى أن الإنسان هو نتاج خبرة سابقة، وتفاعل حالي، وأمور تشغله للمستقبل، لذا فهي لا تتفق مع المدخل الوراثي فقط أو المدخل البيئي فقط في تفسير سلوك الوالدين بل تدعو إلى اعتبار الانسان هو نتاج تفاعل بين الوراثة والبيئة . لذا فالوالدان قبل أن يمارسوا دور الوالدية سواء الامومة أو الابوة، فهما في الحقيقة بشر، إذ تؤثر بشكل كبير نمط شخصياتهما وأفكارهما وقضاياهما وخبراتهما السابقة التي مروا بها في تبنيهما لأساليب تنشئة أطفالهما، حيث أن هذا التكوين المعرفي كله يسهم في تحديد نوعية الاساليب الوالدية، وحين ترى أبا يمارس أساليب متذبذبة في تنشئته لأطفاله بين التسلط والاهمال، فهذا يعبر عن تذبذب في شخصيته وهذه قضية حساسة جدا عند تنشئة الطفل.
أما بالنسبة للعوامل الأسرية، فتؤكد صاحبة السمو أن لشيوع المشكلات الأسرية كالطلاق والعنف الأسري والخلافات الزوجية وغيرها من المشكلات سبب في تبني أنماط معينة دون غيرها والتي عادة تتسم بالسلبية تجاه الأطفال. كما أشارت إلى الفروق الفردية للأطفال وما يصاحبه من اختلاف في شخصياتهم في المنزل، الأمر الذي يحتم على الوالدين اختيار الأساليب المناسبة لشخصية كل طفل ومرحلته العمرية.
وفيما يتعلق بالعوامل المجتمعية، فتشير إلى أن تدخل الأسرة الممتدة في حياة الأسر النووية يسهم بشكل كبير في تبني أساليب معينة دون غيرها، والتي تنسجم وتتفق مع أساليب التنشئة في الأسرة الممتدة، بالإضافة إلى تأثير عوامل أخرى كجماعة الرفاق، والاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، والعادات والتقاليد والجانب الديني. وعن العوامل العالمية المؤثرة فهو يتمثل على سبيل المثال لا الحصر: الانترنت والعالم الافتراضي.
وفيما يتعلق بالاستراتيجيات الفاعلة المؤثرة في تبني أنماط وأساليب تنشئة ايجابية، تركز جناب السيدة بسمة على موضوع الروتين اليومي وكيفية قضائه، وتعتبر ذلك من أهم الأمور التي يجب أن تشغل بال الوالدين، حيث تدعو إلى ابتكار أفكار تكيف مبدعة لتساعدنا على تحويل الروتين اليومي داخل البيت كل يوم بطريقة مختلفة، وأشارت إلى أن الوقت المتاح الآن للأسرة في ظل الحجر المنزلي ساعد على خلق فوضى تتمثل في النوم المتواصل فترة النهار، وعدم تنظيم وجبات الاكل وعدم قضاء اليوم بطريقة معتادة كشأن الأيام السابقة، وتؤكد على أن هذه الفوضى تؤثر سلبا على صحة الفرد النفسية سواء كانوا والدين أم أبناء، ومن شأنه يخلق حالة مزاج سيئة، وتذمرا متكررا، مما يؤدي إلى رفض آلية التكيف مع الحجر المنزلي، مما يدفع البعض للخروج من المنزل. وتضيف جناب السيدة أنه لابد من الانتباه الى ان تجربة الحجر المنزلي تجربة جديدة علينا جميعا، فكل جديد متعب في البداية، لكن مع مرور الأيام نبدأ نألف هذا الوضع ونميل له حفاظا على صحتنا وصحة أسرتنا.
وضمن مداخلات المشاركين في الحلقة النقاشية التي أحالت الحديث عن الاستراتيجيات الفاعلة التي تساعد أولياء الأمور لتعويض النقص الدراسي للأبناء نتيجة تعليق الدراسة، فقد أعربت صاحبة السمو السيدة د. تغريد عن أهمية التعليم والتعلم خاصة هذه الأيام والذي انقطع فيها الطالب عن معلمه، فعلى الوالدين التركيز على تعليم أبنائهم بتخصيص وقت لتغذية العقل حتى لا ينسى الطالب الكثير من المعلومات والمهارات، ولابد من وضع جدول بالاتفاق بين ولي الأمر وابنه أو ابنته، مع التركيز على البيئة الفيزيقية المتاحة للتعلم، وترى أنه من الجيد إشراك الابناء لترتيب مكان مهيئ للدراسة ،وحبذا يكون قريبا من عين الوالدين، وتوصي الوالدين بتتبع استراتيجية كتابة التوكيدات الايجابية عن التعلم مع أبنائهم؛ حتى تعزز استعدادهم النفسي للتعلم في المنزل، ولابد من اتباع الطرق والاساليب التعليمية الممتعة والتي تعزز دافعية الأبناء نحو التعلم، وأخيرا لابد أن يتبنى الوالدان نموذج القدوة في التعليم أمام أبنائهم، فالأولاد يحاكون الوالدين، وبعيدا عن الاجواء التعليمية المملة، تقترح صاحبة السمو نشر ثقافة المسابقات التعليمية في البيت حتى يبقى حضور الابناء ورغبتهم في التعلم طيلة الحجر المنزلي.
واختتمت الحلقة النقاشية باستعراض رسائل سريعة لتبني أنماط تنشئة ايجابية لخصتها صاحبة السمو د. تغريد كالآتي: تبني لغة الحوار ومهارة الاستمتاع الجيد للأطفال، والمشاركة الوالدية، والمساندة العاطفية، واتباع توكيدات ايجابية يسمعها الطفل، ونشر الاحترام، والقدوة الايجابية، وضبط التربية بالحزم والحب، والتركيز على جودة الوقت، واستثماره، وتقديم النصح والتدريب على مهارات التأقلم، وأخيرا التوبيخ لسلوك الطفل عند الخطأ وليس شخص الطفل. كما لخصت جناب السيدة رسائلها السريعة كالآتي: ضرورة حل المشكلات الزوجية قبل مشكلات الأطفال، التعامل مع مشكلات الأطفال باتزان وذهن صاف، والحوار الصادق مع الأطفال، وأخيرا التعاطي مع الوضع الحالي باعتباره وضعا طبيعيا وعدم المبالغة فيه.