لم يبقَ من العيد إلا اسمه

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٧/مايو/٢٠٢٠ ١٩:٥٦ م
لم يبقَ من العيد إلا اسمه

بقلم: علي بن راشد المطاعني

فيروس كورونا أجبرنا على التعايش مع صيغة جديدة ولون جديد للعيد لم نعهده من قبل، وأول الضحايا لهذا النمط الجديد لا نقول قطع الأرحام ولكن وصل الأرحام بالصيغة الجديدة غير المعتادة والتي ربما يتذمر منها كبار السن أكثر من غيرهم من الشباب ولهم بالطبع مبرراتهم التي نقدّرها ولكن لا نستطيع تحويلها لواقع، فالجائحة لم تترك لنا خيارات بديلة غير المتعارف عليها إلكترونيا وواتسابيا وفيسبوكيا.. الخ من وسائل التواصل المحدثة.
فرغم كل التغيّرات التي أحدثها هذا الفيروس في حياة الناس، إلا أنها لم تثنيهم عن الاحتفاء بالعيد بطرقتهم الخاصة، وهو ما يبعث على الارتياح للتأقلم مع المتغيّرات بمواءمة حافظت على مورث العيد والوقاية من الفيروس.
فجميعنا نؤمن ونقر بأن الصحة هي تاج على رؤوس الأصحاء وأن تعليمات اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار الفيروس تهدف إلى الوقاية من فيروس كورونا وهي أهم من أي احتفالات أو مناسبات مهما كانت قدسيتها.
في المقابل كان حرص المواطنين والمقيمين على الالتزام بالتعليمات علامة فارقة ومظهرا من مظاهر العيد بالنمط "الكوروني" الجديد، ومع هذا فإن الرغبات الصادقة في استمرار الاحتفالات بعد وضع المحاذير في الاعتبار هو مظهر آخر يستحق التقدير ويثبت وعي الجميع بما يحيط بالبلاد والعالم أجمع.
فكانت التهاني عبر ال "أون لاين" هي السمة رغما عن أنها غير مستساغة، ولكن ليس ثمة بديل، فهم وطوال حياتهم كان العيد عندهم هو العيد بكل مظاهره، وبكل إشراقاته وأنماطه، وبكل أطياف لون قوس قزح الخاص به، غير أن التفاؤل لمسناه واضحا في سحنات وجوههم موقنين بأن الجهود التوعوية المبذولة هدفها تخفيف الآلام والحد من الإصابات بهذا الفيروس، وأن الوقاية كانت وستظل خيرا من العلاج وإن توفر، فما بالنا وهو ما برح بعيد المنال إلا قليلا.
جاء العيد وقد اختفت كل مظاهره المعروفة بالفطرة وبالسليقة، حتى على الأطفال، فقد كانوا في انتظار إطلاق العنان لبراءتهم لتعبّر عن نفسها وذاتها بهجة ولعبا ومسرَّة وزيارات للأهل في كل مكان، للأسف لم يكن ذلك متاحا، فقد وجدوا أنفسهم مضطرين للتعاطي مع العيد في نمطه الجديد، والنمط الجديد لا يشبع تطلعاتهم وإن تقبلوها فذلك قد تم على مضض.
كل المزيج البانورامي من أفراح قوس قزح اختفت في أيام عيد الفطر، غطى العزل البيوت وكل العائلات بسحبه الثقيلة داكنة الألوان، فكانت الاتصالات الهاتفية هي الوحيدة القادرة على اختراق منظومة العزل القاسية والوصول للأهل والأصدقاء والمعارف داخل البلاد وخارجها.
كل يبث للآخر حزنه ولوعته على ما آلت إليه مباهج العيد التي وبغمضة عين تحوّلت لهواجس وخوف ورعب من العدوى وتوجس لا تخطئه العين من التقارب الاجتماعي.
لقد فرض كورونا نفسه على الجميع، هذا إن كانت كلمة (نفس) تنطبق عليه، سيما وأننا علمنا بأنه ليس بالكائن الحي وبالتالي فهو لا يسمع ولا يرى، وهو وبهذه الصفة أحدث كل هذا الرعب عالميا، والنظرة الإيمانية مطلوبة هنا بالطبع، فوسط هذا الرعب لم تتحطم عزائم المواطنين على جدران القنوط، فقد هداهم إيمانهم بأن الابتلاء لا بد أنه زائل من بعد إظهار الصبر الجميل كما أمرنا الله عندما تحل المصائب والشدائد.
يصعب على الجميع التصديق بأن العيد قد أتى وقد اختفت فيه كل مظاهره المألوفة عبر الأزمان، موجات من الزوار تهنئ عبر طوابير المحبين الطويلة وهي تتقاطع بين البيوت والأزقة والأحياء، والسيارات تجوب القرى والولايات للقيام بواجب صلة الأرحام، فالمسافات وإن بعدت لا تمثل هاجسا أبدا أمام هذا الواجب المقدس، مظاهر خاصة ميّزت المجتمع عبر السنين والحقب، كلها وفي غمضة عين اختفت، قرار مؤلم، غير أن الأكثر إيلاما هو عدم الامتثال له.
وبما أن العيد كلمةً ومعنىً قد جاء فعلا فإن المواطنين قد كيَّفوا أنفسهم على الاحتفاء به رغم كل شيء يحيط بهم، فللمرة الأولى صلوا صلاة العيد في منازلهم، وللمرة الأولى أنجزوا عمل "الشواء" أو "العرسية" و"المضابي" وغيرها من مظاهر العيد في أضيق نطاق احتراما لمبدأ التباعد الاجتماعي "الكوروني".
لقد عاشت الأسر فرحة العيد بطرقها الخاصة مؤمنين بالقضاء والقدر ومتضامنين مع جهود الدولة التوعوية في هذا الصدد، عاقدين العزم على اتباع المزيد من الإجراءات الصادرة من اللجنة العليا وإن بدت قاسية، وفي ذات الوقت رافعين الأكف لله عز وجل أن يرفع البلاء والوباء عن البلاد والعباد وكافة بلاد المسلمين وغير المسلمين، وباعتبار أن البشرية قد استوعبت الدرس.
بالطبع تأثيرات الفيروس كانت واضحة في الحد من احتفالات العيد ولكنها لم تكن حجر عثرة في التكيّف مع الوضع الطارئ واستنباط صيغ جديدة للاحتفالات تتسق مع الوضع الصحي السائد.
نأمل أن تستمر الروح الإيجابية الوثابة بالصبر والتحمّل على تجاوز هذه المحنة بكل ما نملك من قوة وتضحية في سبيل الصحة.