إعادة إنتاج "الكوميديا الإلهية" عربيا

مزاج السبت ٣٠/مايو/٢٠٢٠ ١٩:١٥ م
إعادة إنتاج "الكوميديا الإلهية" عربيا

القاهرة - ش
تبدأ منشورات المتوسط العمل على إعادة إنتاج ترجمة حسن عثمان لكتاب "الكوميديا الإلهية" لـ دانتي أليغييري، حيث كلَّفت لجنة علمية من كبار الأكاديميين والمترجمين المتخصصين في ترجمة ونقل التراث بين اللغتين الإيطالية والعربية، ببدء العمل على المشروع.

تأتي هذه الخطوة لإعادة إحياء رائعة دانتي أليغييري عربياً، والتي شكَّلت فجر عصر النهضة الأوروبي، ولم تفقد ألقها وتأثيرها المستمرّ في أجيالٍ متعاقبة من الأدباء والمفكّرين والفنّانين الذين أغنوا مرجعياتهم الفنية واللغوية بقراءة هذا العمل الفريد، في لغاتٍ لا حصر لها عبر العالم، وبترجماتٍ عدَّة في اللُّغة الواحدة.

لعلَّ الاهتمام العربي الذي بدأ منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر بالكوميديا الإلهية، أفرزَ فيما بعد أكثر من ترجمة واحدة للعمل، أضافت كلها إضاءات جوهرية وهامة على العمل الأدبي الأهم في تاريخ الأدب الإيطالي إن لم يكن العالمي. لكن من بين هذه الترجمات كلها، تظل ترجمة حسن عثمان، المؤرخ وأستاذ التاريخ الإسلامي والأوروبي؛ هي الأكثر إغراءً والألمع وذلك لأسباب كثيرة.

تفرَّغَ حسن عثمان لدراسة دانتي والكوميديا الإلهية خاصة لمدة 10 سنوات من سنة 1941 وحتى سنة 1951، حيث شرع بترجمة الكوميديا الإلهية والتي استغرقته ثماني سنوات أخرى. واصل خلالها السفر على نفقته الخاصة وتارة كانت "اليونيسكو" تغطي له بعض تلك النفقات، زار مصادر العلوم التي نهل منها دانتي، وتتبع آثار الشاعر وأسفاره، وعايش الأماكن التي عاش فيها، خاض في الفنون التشكيلية وفي الموسيقى لدراسة ذائقة دانتي الفنية والموسيقية. وإذا كان المختصون قد اختلفوا على المدة التي استغرقها دانتي في كتابة الكوميديا الإلهية، فمنهم من قال أربع عشرة سنة ومنهم من ذهب إلى إثنين وعشرين سنة، فنحن أكيدون بأن مترجمها إلى العربية استغرقته ثماني عشرة سنة. وهذا ما لم يحدث في لغات أخرى حسب علمنا.

فحسن عثمان الباحث قبل أن يكون المترجم، هو من رواد منهج البحث التاريخي وكتابه المعنون بـ "منهج البحث التاريخي" يعد مرجعاً أساسياً في اختصاصه حتى أيامنا هذه، وقد تمكن بصدق من تطبيق هذا المنهج في اشتغاله على ترجمة الكتاب الذي يأتي تصنيفه الثاني بعد الكتاب المقدس غربياً وهو الكوميديا الإلهية. ولهذا السبب تجاوزت ترجمته للكوميديا الإلهية الترجمة بحد ذاتها، وجاءت النتيجة أننا أمام دراسة تاريخية شاملة لفترة حاسمة في تاريخ الفكر الإنساني وهي لحظة بزوغ عصر النهضة.

عليه، لا يأتي هذا المشروع احتفاء بدانتي وبالكوميديا الإلهية فحسب، بل أيضاً، بهذا المترجم الاستثناء ليس عربياً فقط وإنما عالمياً، ولعلنا ننجح بتحقيق آماله التي زرعها في نهاية ترجمته للكوميديا الإلهية حين قال: «وبعدُ، فإني أؤمل أن يأتي من بعد مَنْ يدرس، ويرتحل، ويصبر، ويستوعب، ويتأمل، ويستلهم، ويمسك باليراع لكي يعبّر عن دانتي في صورة أوفى وأجمل!»

سيبدأ المشاركون العمل على الترجمة منذ الآن، حيث شُكلت لجنة علمية من مجموعة من ألمع المترجمين المتخصصين في ترجمة ونقل التراث بين اللغتين الإيطالية والعربية تساندها مجموعة من الأكاديميين المتخصصين في تاريخ القرون الوسطى وآدابه ولاهوته، وفي لغة دانتي والبلاغة الجديدة التي أسس لها، والآثار التي تركتها إلى اليوم على الآداب والفنون الغربية، وأخيراً في الأدب المقارن، حيث تتتبع آثار الثقافات الأخرى في الكوميديا الإلهية وآثارها العابرة للغات على الثقافات الأخرى. ستخرج هذه اللجنة بتصور مشترك حول ما ينبغي تقديمه من إضافة وتحديث على النص، مستندين على الدراسات الحديثة التي صدرت وتناولت الكوميديا الإلهية في السنوات الأخيرة. باختصار هم سوف يدرسون، ويرتحلون، ويصبرون، ويستوعبون، ويتأمَّلون، ويستلهمون، ويمسكون باليراع لكي يعبّروا عن ترجمة حسن عثمان في صورة أوفى وأجمل والتي بالتالي ستعكس صورة أجمل وأوفى لدانتي.

تطلق إذن، منشورات المتوسط مشروعها هذا ونحن على بعد شهور قليلة من حلول الذكرى الـ 700 لوفاة دانتي أليغييري، وتأمل الدار أن يرى مشروعها النور مع حلول ذكرى وفاة حسن عثمان الخمسين والتي ستحل في العام 2023.
وكانت المتوسّط ومنذ تأسيسِها، قد عملت على نقلِ الأدب والفكر الإيطالي إلى اللغة العربية، وقدمت الدار أعمالاً كثيرة لأسماء كبيرة تتُرجم لأول مرَّة إلى العربية، وأيضاً اهتمت بشكلٍ كبير بإعادة مراجعة وترميم وتحديث الترجمات القيمة القديمة، بداية من رواية "الفهد" للكاتب جوزيبِّه تومّازي دي لامبيدوزا ورواية فونتمارا لـ إينياتسيو سيلونه. وهو ما جعلها داراً مختصّة في الأدب الإيطالي بقدر اهتمامها بالعالم العربي.

الأكاديميون والمترجمون المشاركون حسب الترتيب الأبجدي:
أمارجي: الاسم الأدبيُّ للشَّاعر والمترجم السُّوري رامي يونس. وُلدَ بمدينة اللاذقية سنة 1980، صدر له شعراً أربع مجموعاتٍ شعرية، حازَ شهادتَي ماجستير من جامعتَي كاتانيا، وبيرودْجا في إيطاليا، وتخصَّص في ترجمة الأدب الإيطالي، حيثُ نقلَ إلى العربية العديد من الأعمال لكبار الكتّاب والشعراء، نذكر من بين ترجماته الروائية: «البحر المحيط»، لـ ألِسَّاندرو باريكُّو، 2017.

أماني فوزي حبشي: من مواليد القاهرة، 1968. حصلت على ماجيستير في الترجمة ودكتوراه في الأدب الإيطالي من كلية الألسن جامعة عين شمس. حصلت على الجائزة الوطنية الإيطالية للترجمة عام 2003 لإسهاماتها في نشر الثقافة الإيطالية، وعلى نجمة التضامن الإيطالي، رتبة فارس عام 2004. وشاركت بالعديد من المقالات والأبحاث الخاصة بالثقافة الإيطالية والترجمة، والتي نُشرت في مختلف الصحف والمجلات المصرية. أسهمت في تأسيس صفحة «المقهى الثقافي الإيطالي» عام 2017 والتي تعمل كببليوغرافيا للأعمال المُترجمة من اللغة الإيطالية إلى اللغة العربية. من أهم ترجماتها: «بندول فوكو» لـ«أومبرتو إيكو»، «ثلاثية أسلافنا: الفسكونت المشطور، البارون ساكن الأشجار وفارس بلا وجود» لـ«إيتالو كالفينو»، «شجاعة طائر أبو الحن» لـ«ماوريتزيو ماجّاني».

إيدّا زولّو غراندي: أستاذة اللغة والأدب العربي في جامعة Ca’ Foscari (البندقية) قسم دراسات آسيا وإفريقيا البحر متوسطية (DSAAM)، حاصلة على دكتوراه في دراسات الشرق الأدنى والمغرب من جامعة L’Orientaleفي نابولي.. يرتكز نشاطها العلمي على الدراسات القرآنية، حيث قامت بتأليف أبحاث عن لغة القرآن وتأثيرها على الإنتاج الأدبي اللاحق، وفي هذا السياق نذكر أبحاثها عن مفهوم الشر في القرآن (2002) وشخصية سيدتنا مريم (1996-1997) وقابيل والفرعون وسيدنا يونس (2006).

عز الدين عناية: أستاذ جامعي تونسي ومترجم عن اللغة الإيطالية. مواليد 1966 في مدينة سوسة، يقيم في روما ويُدرّس في جامعتها، متخصّص في دراسات الأديان. حاصل على الأستاذية والدكتوراه من جامعة الزيتونة في تونس في اختصاص الأديان والمذاهب. صدرت له مجموعة من الأبحاث منها: «الدين في الغرب» 2017، «الأديان الإبراهيمية» 2013، «نحن والمسيحية في العالم العربي وفي العالم» 2010 .

گاصد محمد: كاتب ومترجم عراقي (بابل 1981)، أستاذ اللغة والأدب العربي في جامعة بولونيا وجامعة ماﭼيراتا. نال شهادة البكلوريوس في اللغة الايطالية في بغداد عام 2006، ثم حصل على ماستر من سنة واحدة من معهد الدراسات الإنسانيّة في فلورنسا، عام 2008، حول الثقافة الأوربيّة وجذورها التاريخيّة. أكمل دراساته العليا في ايطاليا، فنال الماجستير عام 2011 عن بحث مقارن ما بين الديكاميرون وألف ليلة وليلة، ثمّ أتمّ الدكتوراه عام 2015 عن بحث مقارن تناول الجذور العربيّة في الديكاميرون.

نجلاء والي: باحثة ومترجمة مصرية، حاصلة على دكتوراه الآداب في اللغة الإيطالية بدرجة مرتبة الشرف الأولى من كلية الألسن – جامعة عين شمس ودرجة الماجيستر في الأدب العربي والدراسات الإسلامية من جامعة الدراسات الشرقية في نابولي وحالياً تعمل مدرِّس للغة العربية وتقنيات الترجمة من اللغة العربية إلى الإيطالية بجامعة تورينو.

ماريّانا ماسّا: مترجمة إيطالية منذ عام 2008، حاصلة عـلى ماجستير في كلية العلوم العربية الإسلامية من جامعة L’Orientale في نابولي بتخصص في الأدب العربي المعاصر، كما حصلت على شهادتين في الترجمة الصحفية والسمعبصرية من الجامعة الأمريكية في القاهرة.

وائل فاروق: ناقد وأكاديمي وشاعر ومترجم مصري، حاصل على درجة الأستاذية في لغات وثقافات الشرق الأدنى من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في إيطاليا، يعمل حاليا أستاذاً للدراسات العربية والإسلامية في كلية العلوم اللغوية والآداب الأجنبية وكلية العلوم السياسية والاجتماعية بالجامعة الكاثوليكية للقلب المقدس في ميلانو. عمل أستاذاً زائراً في معهد ستراوس للدراسات المتقدمة في القانون والعدالة، جامعة نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية، مع مهمة بحثية حول «الإسلام والعقل العربي والفقه واللغة»، وفي معهد اللغة العربية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وفي قسم القانون بجامعة ماتشيراتا.