التحديات التي تواجه عمان.. (ضرورة إجراء علاجات جذرية للاقتصاد)"٢"

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٢/يونيو/٢٠٢٠ ١٩:٢٥ م
التحديات التي تواجه عمان..
(ضرورة إجراء علاجات جذرية للاقتصاد)"٢"

مرتضى بن حسن بن علي

واصلت المشاكل الاقتصادية بالنمو بشكل مستمر منذ خريف عام ٢٠١٤، والحلول أُتسمت بالبطأ الشديد، ونأمل الان أن تخرج من مرحلة الحضانة، فالحلول السابقة بقت محصورة بين الاقتراض وزيادة الرسوم على الخدمات الحكومية، وتخفيضات للدعم هنا وهناك، وكلها كانت مُسكنات تفقد فعاليتها مع مرور الزمن، ويبدأ تأثير الاثار الجانبية المؤلمة.
الموضوع المهم الذي يقلق العديدين هو تفاقم الدين العام ووصوله الى مستويات مقلقة، العجز المتراكم في الموازنة العامة، سوف يدفع للحصول على مزيد من القروض لسداد الأقساط المستحقة وفوائدها للقروض السابقة، ذلك سوف يؤدي بنا الى الدخول في حلقات مفرغة.
عدم تنفيذ الخطط الخمسية المتتالية المرسومة من الحكومة نفسها، بسبب الافتقاد الى سياسة مركزية والتنسيق بين الوزارات، كانت تعطي انطباعا بإن كل وزارة تعمل كجزيرة مستقلة ومنفصلة، ومن الصعوبة تحقيق الاهداف في مثل هذه الظروف.الأهداف الرئيسية للخطة الخمسية الاولى "١٩٧٦-١٩٨٠"، وما تلتها من الخطط، كانت تدعو الى تقليل الاعتماد على النفط، والتركيز على تنويع مصادر الدخل، وإيجاد قوة بشرية تتمتع بمستويات معرفية ومهارية عالية، وبناء قطاع خاص منتج ومتنامي، لاستيعاب القوى العاملة الوطنية. وعدم تطبيق تلك الأهداف، أوصلنا الى ما نحن فيه.
يقال في الأبجديات الاقتصادية: إن الفرق بين بلد فقير وغني، ناتج عن اقتصاد لا يضيف قيمة مضافة لما ينتجه، وأخر يضيف تلك القيمة، فالفقر ليس فقر موارد، فاليابان وكوريا وسنغافورة وتايوان وسويسرا وغيرها تعتبر من أغنى بلدان العالم، مع إنها لا تمتلك أية موارد طبيعية، أما الكونغو الديمقراطية وغيرها، من أغنى بلدان العالم، في مواردها الطبيعية، ومع ذلك فأنها متخلفة، التخلف يعالج بسياسات تبنى على قرارات سليمة وتعتمد على الموارد البشرية المتعلمة والمدربة.
السياسات التنموية هي في صميمها فن الادارة وفن الارادة، وبحاجة الى أكثرية مقتنعة ومستعدة للعمل من اجلها، فقصر تنفيذ القرار التنموي على جهة دون اخرى، وبدون تنسيق او رقابة، إهدار لإمكانيات موجودة.
سوف أحاول أن أجتهد عن بعض الحلول لمشاكلنا، واثقا أن الكثيرين يمتلكون حلولا أحسن وأوفر، وأهمها من وجهة نظري ما يلي:
١-البدء فورا بتقليل النفقات الاستهلاكية والترفيهية المستنزِفة للموازنة.
٢-إعادة النظر جذريا، في بند رواتب موظفي الحكومة، والتي تستنزف جانبا رئيسيا من اموال الموازنة وتؤدي إلى الاقتراض، بحيث تقلل الضغط على الموازنة من دون أن تُلحق الأذى بالموظفين.
٣-حصر الاقتراض لتمويل المشاريع الانتاجية المدرة للدخل والقادرة على سداد القروض من فوائدها المتراكمة.
٤-معالجة ملف الشركات الحكومية والتي تستنزف هي الاخرى، مبالغ كبيرة من الموازنة، والتفكير ببيع بعض الاصول التجارية مثل الفنادق الحكومية في الوقت المناسب.
٥-وضع خطة طموحة وواضحة لتنويع مصادر الدخل، وإيجاد فرص عمل للباحثين عنها. السياحة مثلا، سوف تدر دخلا بمئات الملايين من الريالات، وتوفر عشرات الالوف من الوظائف في جميع انحاء عمان، كما ستساهم في التنمية الاقتصادية الاجتماعية.
٦-تشجيع جذب الاستثمارات ألأجنبية، ورفع كل العوائق التي تحد من تدفقها، حيث إنها تساعد على تدفق النقد الاجنبي، وانتاج الوظائف وتنمية النشاط الاقتصادي. عدد كبير من الدول تتنافس لجذب الاستثمارات، وتقديم عدد من المزايا لجذبها، منها تقديم إعفاءات ضريبية مغرية لفترة، وتجهيز بنى تحتية متقدمة، وتوفير عمالة ذات مهارات عالية، وسن قوانين عمل مرنة، وبنوك معلومات متدفقة، ونظم قضائية متطورة، وأماكن ترفيهية متعددة، وتقديم الطاقة بسعر تفضيلي، والأرض بأجر رمزي، وكثير من الحوافز الأخرى. الاستثمارات تساعد على توطين الصناعة وتعزز المهارات الوطنية وتقدم أحسن الاساليب الادارية والتنظيمية والتسويقية وتفتح أسواق للصادرات.
٥-الانتقال من مرحلة بيع النفط الخام والثروات التعدينية، والصيد البحري التقليدي، إلى مرحلة تصنيعها واستخراج المشتقات منها، ومنحها قيمة مضافة، وتصديرها، والحصول على النقد الاجنبي، وخلق الاف فرص العمل.
يمكن استخراج مواد عديدة من النفط واستعمالها في صناعة الادوية والأسمدة ومواد التجميل والعطور والكيماويات الخ... وكلها تضيف قيمة مضافة وتخلق ثروات جديدة وتوفر الألاف من فرص العمل.
مياهنا تحتوي على كميات هائلة من الأسماك. والاسماك صيد وتقطيع وتعليب وتصدير واستخراج السماد والزيوت. والصناعة مغلة للدخول ومعززة للثروة الوطنية وتزيد من افاق التصدير، كما هي تخلق الالاف من فرص العمل.
٥-إيجاد الحلول لاستيعاب الباحثين عن عمل، يحتاج الى نمط جديد من التفكير بعيد عن الانماط السابقة، وأثبتت عدم نجاحها. المشكلة تهدد الاستقرار الاجتماعي، ولن تنحل عن طريق تغليظ القوانين، من دون معرفة لجذور المشكلة. ويتوهم من يعتقد إن وزارة القوى العاملة مقّصرة. ومن الصعب على القطاع الخاص الصغير، والمعتمد على إنتاج الخدمات، من استيعاب الجزء الاكبر منها. مشكلة الباحثين عن عمل مشكلة تنموية اقتصادية تعليمية تدريبية واجتماعية. ومن الصعب ايجاد حلول جذرية لها من دون الاهتمام لموضوع التنمية. العملية مرهونة بتوسيع أفاق الاقتصاد، وجذب الاستثمارات، واقامة المشاريع الصناعية والسياحية، وتحسين التعليم والتدريب، إضافة الى انشاء الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل صحيح، يؤدي الى توفير فرص العمل في المناطق المختلفة خارج محافظة مسقط. ذلك يحتاج الى استدارة فعلية في السياسات، بحيث تُعطى تلك الشركات، أهمية، لا تقل عن اهمية المشاريع الكبرى، التي تحتاج الى أضعاف ما تحتاجه تلك الشركات من المال والجهد.

٦-من الصعوبة التقليل من أعداد العمالة الوافدة أيضا، من خارج أطر السياسات الاقتصادية والتعليمية والتدريبية. الحلول هي بإعادة تكييف الطلب على العمل، بحيث تؤدي لإيجاد طلب على العمالة الماهرة جدا، وتعليم قادر على تخريج طلبة ذات مستويات تعليمية وتدريبية ممتازة. قدرة القطاع الخاص لا يعتمد فقط على حجم نشاط الاعمال وتنوعها، بل على نوعية هذا النشاط، ودرجة اعتماده على إنتاجية العمل، كمحرك للنمو الاقتصادي المستدام. القوة العاملة الوافدة، هي في أغلبيتها من فئة العمالة قليلة المهارة، ولكنها مستعدة ان تتعلم وتعمل لساعات اطول، وبأجور منخفضة، وهي نوعية لا يقترب منها المواطن. القطاع الخاص يرى بأن عملية توظيف مثل هذه العمالة قليلة المهارة، أرخص له من تكلفة الاستثمار في وسائل انتاج ذات كثافة رأسمالية عالية، ولكنها تحتاج الى عمالة متدربة، وكفؤة، بأعداد اقل جدا، من تلك التي يستخدمها الان. وكل ذلك بحاجة الى تغييرات في السياسات القائمة، والتوجه نحو سياسات الاتمتة الموفرة لهذه الاعداد من العمالة الكثيفة.

نحن بحاجة أيضا الان من أي وقت مضى، بتوضيح الامور بكل شفافية للمواطنين. ذلك سيساعد على إجراء مصالحة مجتمعية حقيقية القائمة على ركائز الدول الحديثة، منها تطبيق القانون على الجميع، وتعميق روح الانتماء. فحالة الاحتقان الموجودة، لا بد ان تنتهي، بحيث يدرك الجميع، إن معالجة المشاكل المتراكمة تحتاج الى عمليات تضحية قد تكون مؤلمة. وفي ظل هذه المصالحة سيحقق الاقتصاد طفرة. الاكثرية ستزيد إنتاجيتها لمساندة اقتصاد بلدها، وقرار حكومتها، وإن كان تقشفيا وصعبا. أما أن يرى المواطن تفرقة في المزايا والعطايا والاراضي والمبالغ المالية والعلاج المجاني في الخارج، حسب السلم الاجتماعي، وإن المزايا المادية تُمنح لفئات معينة بدون حساب، بينما يُطلب من المواطنين، تقديم التضحيات، فأنه سيقاوم اية محاولة للتغيير حتى وإن كانت لصالحه في المدى المتوسط والبعيد.