كذا تكون دولة المؤسسات والقانون

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٣/يونيو/٢٠٢٠ ٢٠:٣٦ م
كذا تكون دولة المؤسسات والقانون

بقلم: علي المطاعني
سألتني إحدى المتابعات باستغراب (هل نحن دولة مؤسسية؟) وما هي المعايير لذلك؟ وتقصد هل السلطنة دولة مؤسسات وقانون؟ فقلت في نفسي هذا السؤال يبدو عميقا وينم عن معرفتها بماهيته، ولكن صاحبة السؤال ترغب في المزيد من الإيضاح والمزيد من التفاصيل والمزيد من الغوص في الجزئيات.
قلت لها إنّ السلطنة دولة مؤسسات وقانون طبعا وبالفعل؛ إذ هناك قاعدة صلبة ومتماسكة من المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية منفصلة، وهناك أجهزة رقابية ليست مرتبطة بالحكومة وإنما بجلالة السلطان مباشرة، ثم أردفت بأن هناك الكثيرين لا يعلمون ذلك، لذلك نراهم يسارعون في إصدار الأحكام بدون معرفة تامة ودقيقة لماهية دولة المؤسسات والقانون وتجسيدها على أرض الواقع.
وفي المقابل هناك بعض الممارسات الخاطئة تشوّه مفهوم دولة المؤسسات والقانون، وذلك في كل مؤسسات المجتمع المدني، بل وفي مؤسسات الدولة تنتهك هذه المفاهيم بتجاوزات لا تؤسس لمنظومة دولة المؤسسات والقانون بدواعٍ وأسباب كثيرة، كعدم التزامها بالأنظمة والقوانين، وعدم إلمامها بمعنى ومغزى وماهية دولة المؤسسات والقانون.
كما أنَّ استتباب ذلك الوعي وترسيخه على أرض الواقع يحتاج وقتا قد يطول وإلى تجارب قد تكون عسيرة، ومخاضات قد تكون أليمة، حتى يصل الجميع إلى شؤاطئ ومرافئ دولة مؤسسية كاملة النصاب.
لكل تلك الأسباب لا ينبغي علينا التسرّع بإصدار الأحكام كيفما اتفق وبدون الغوص بعيدا في كل تلك التفسيرات والتأويلات وبدون بلورتها بتمهل وعلى نار هادئة؛ فثمة تعارضات وتداخلات قد تبطئ من إكمال المفهوم ووصوله لمرحلة الكمال الذي هو لله وحده ولكن لنقُل للمرحلة التي نستيطع بعدها أنْ نقول بأنَّ الهيكل العام لذلك المفهوم هو الآن أكثر وضوحا من أي وقت مضى.
فتأسيس وترسيخ مفهوم دولة المؤسسات والقانون كان أبدا غاية وهدفا للمغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد ـ طيّب الله ثراه ـ عندما بدأ في تأكيد هذا المفهوم انطلاقا من نقطة الصفر، وتدرّج المفهوم في مسيرة التصاعد الرأسي والأفقي عبر تسمية وتحديد أطر تُسهم في الانتقال السلس لتركيبة المجتمع من قبلي عشائري ومذهبي ومناطقي وعرقي وغيرها من الآهات المعيقة لاستتباب الأمر لذلك المفهوم إلى مجتمع مؤسسي حقيقي يحتكم للدولة ويتأطر بقوانينها وأنظمتها وآلياتها المؤكدة على أنَّ الجميع متساوون في الحقوق والواجبات بعد إلغاء كل ما يخالف هذا المبدأ العدلي الإسلامي ناصع البياض.
لذلك من الطبيعي وجود تباين - ولا نقول مشقة - في الانتقال من واقع إلى آخر هو النقيض عينه وبنسبة 180 درجة أو أكثر، وبدون أنْ نقدّم تضحيات جسيمة تدفعها الأوطان والأجيال من حرّ مالها وعرقها مهرا لهذا الانتقال العسير، وهذا الانتقال سيمر حتما بمتاريس المجاملات والمحسوبية والموالاة غير المرتكزة على أسس وطنية صرفة، إذ لا بد من تسوية تلك المتاريس بالأرض في طريق الزحف للمفهوم المستهدف من كل هذا الجهد.
إنَّ الانتقال الكلي لمفهوم دولة المؤسسات والقانون لا يتم إلا بعد التوافق والاحتكام للنظام والقانون الموحد والمطبق على الجميع بذات الآلية.
بالطبع البعض يتجه للمقارنات في تحقيق دولة المؤسسات والقانون، وهذه مقارنة ظالمة إذا لم تأخذ الكثير من الاعتبارات المؤدية لدولة المؤسسات والقانون التي نسعى إليها جميعا من خلال تغيير الأنظمة والالتزام بماهيتها والحرص على عدم تجاوزها وترسيخ مفاهيم الممارسة الديمقراطية في التعاطي مع الشأن العام.

نأمل أنْ نعيش مرحلة دولة المؤسسات والقانون بعمقها اليوم قبل الغد، وتلك أمنيات كجزء من تطوُّر الأمم والشعوب، ولكن لا بد أنْ نعمل على ذلك أفرادا ومؤسسات وتُفرض من الأنظمة ما تعزز الاتجاه وتحفظ من الممارسات الخاطئة.