تغيير ثقافة العمل !

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٨/يونيو/٢٠٢٠ ٢٠:٤٦ م
تغيير ثقافة العمل !

بقلم: علي بن راشد المطاعني
في الوقت الذي تبذل فيه الجهات الحكومية جهودا كبيرة في توفير فرص عمل لأبنائنا في مختلف المجالات والأنشطة الاقتصادية وفق المستويات التعليمية والتأهيلية المتوفرة لدى الكوادر الوطنية، ووفق المهارات التي تتطلبها الوظائف والمهن، إلا أنه وسرعان ما تبرز ردود أفعال عكسية تسعى للنيل من هذه المبادرات وتعكّر صفو المجتمع تجاه العمل ومفاهيمه وأنواعه وتباين مستوياته الوظيفية والمهنية، وتخلط الأوراق من خلال إثارة بعض الإشكاليات حول نوعية الأعمال التي توفرها الجهات الحكومية على اختلافها وتتوفر لها فرص في القطاع الخاص أو عبر المبادرات الفردية، مدّعيةً الكمال والترفُّع عن الأعمال التي تصفها بأنّها متدنية أو ذات مستويات لا يمكن أنْ يعمل فيها أبناؤنا متناقضة مع نفسها للعديد من الاعتبارات التي من الأهمية أن نعيها جميعا قبل أن نُصدر أحكاما مُسبقة.
الأمر الذي يتطلب بذل الكثير من الجهد لتغيير ثقافة العمل وترسيخ مفاهيمه والتدرّج فيه وفي مستوياته وفق المؤهلات لدى كل فرد إلى غير ذلك من مفاهيم يجب تصحيحها في إطار برنامج توعية وطني شامل في هذا الشأن.
بلا شك أنّه وفي ظل الظروف الراهنة سواء الاقتصادية أو الصحية التي تخيّم على دول العالم، وانعكاسات ذلك على فرص العمل المتوفرة ‏في الأسواق، فإنّ القبول بالكثير من الأعمال التي تشغلها العمالة الوافدة من خلال تعمين الوظائف وحظر عملها على غير العُمانيين، يجب أن يُقابل بالاستجابة من قِبل الفرد والمجتمع، وباعتبارها فرصة عمل مناسبة مع المستويات العلمية والتأهيلية لأبنائنا ولا ينبغي بالتالي الترفُّع عنها.
بالتأكيد ليست كل الوظائف ذات مستويات عليا، بالمنطق هذا لا يجوز، وبالطبع ليست كل وظيفة تم تعمينها هي دون المستوى ولا تشرّف المواطن، فتلك أفكار كارثية بكل المقاييس وتعد في حد ذاتها عائقا وعقبة كأداء في مسار التعمين.
الجانب الآخر يؤكّد أنّ الجهود ماضية لتعمين كل الوظائف على اختلاف مستوياتها ومسمّياتها، وهناك نجاحات كبيرة تحققت في هذا الشأن لا يُمكن إغفالها والتقليل منها، ويتطلب إيضاحها للعامة في إطار حملات التوعية التي تتطلب أنْ تعمل على بلورة ماهية الوظيفة، وكيفية التدرّج في الوصول للدرجات العليا عبر الصبر والكد والجهد وبذل العرق، وما هي المتطلبات التي تحتاجها الوظيفة بغرض شحذ الهمم الوطنية الطموحة وحضّها على مواصلة التأهيل كأساس لتحقيق التطلعات.
ومن الأهمية توضيح الكثير من الحقائق للمجتمع وبالأخص لأولئك الذين يُثيرون الإشكاليات حول الوظائف ومدى جدواها ويصفونها بأنّها لا تحقق رغبات وتطلعات الباحثين عن عمل، متناسين حقيقة أنّها أفضل من الجلوس خلف الجدران في انتظار تلك الوظيفة الذهبية بغير طائل، وقد تكون هذه الوظيفة أفضل من تلك المنتظرة من ناحية الدخل لا من ناحية الشكل وهذا هو الأهم.
فاليوم - على سبيل المثال – يتقاضى المهني في الساعة أكثر من عشرة ريالات، في حين أنّ المهندس في أفضل شركة يتقاضى في الساعة خمسة ريالات في المتوسط، ومشوار توصيل طلبيات يوفّر ما يعادل نصف أجرة يوم كامل لموظف في جهة حكومية، في حين أنّ موظف التوصيل قد يقوم بتوصيل العشرات من طلبيات في اليوم، فهل مثل هذه الوظائف أو المهن نتركها ليشغلها غير المواطن.
‏ومن الآن فصاعدا على المجتمع أنْ يدرك بأنّ الوظائف القادمة هي الفنية المتوسطة التي تحتاج لبعض المهارات وليس بالضرورة المؤهلات العالية فقط، ففي هذه المنطقة الوسطى تتركز وتتكدّس العمالة غير الوطنية، وهنا يتعيّن على التعمين أنْ يشغل هذا الحيّز بأكمله، وهذا التوجه يتطلب اكتمال منظومة القناعات لدى كافة أفراد المجتمع ولتندثر تبعا لذلك نبرة الترفُّع عن هذه المهن، وليتوقف تلقائيا رنين التشويش حولها.
نأمل بأنْ تعمل الجهات المختصة على إطلاق حملات وطنية تحث على العمل والتوعية بمضامينه وفحواه وجدواه للمواطن وللوطن، واستعراض تجارب دول العالم في كيفية تجاوزها لهذه المغالطات، وإظهار النماذج الإيجابية في العمل في مستوياته المختلفة بهدف تغيير الكثير من الأخطاء التي ترسّخت عبر الزمن وقد آن الأوان لاقتلاعها من الجذور.