المستقبل للوظائف الإلكترونية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٣٠/يونيو/٢٠٢٠ ٢٠:٣٣ م
المستقبل للوظائف الإلكترونية

بقلم: علي بن راشد المطاعني
تابعت الجدل المحتدم في وسائل التواصل الاجتماعي حول تعمين مهنة "توصيل الطلبات" في البلاد وحالة الشد والجذب بين مؤيّد ومعارض لمثل هذه الخطوات التي يُمكن أن تمكّن أبناءنا من العمل في العديد من الوظائف والمهن التي هي بيد غيرهم، والبعض عارض من باب عدم درايته بهذه الفرص وقيمتها وأهميتها الاقتصادية والاجتماعية للفرد والمجتمع والاقتصاد.
في الواقع فإنّ فرص العمل في هذا المجال واسعة للغاية وهي وظائف أفرزتها مفاهيم التجارة الإلكترونية الزاحفة بقوة للسيطرة على مجمل الأسواق، إذ في المستقبل القريب ستندثر مظاهر التسوُّق التقليدي المعروفة وما يصاحبها من مشاق ومتاعب من قطع المسافات الطويلة وصولا للأسواق أو البضائع المستهدفة، وما يعنيه ذلك من نفقات الترحل ومتاعب التجوُّل، كل تلك المظاهر في طريقها للانقراض الأكيد تماما كانقراض الديناصورات من قبل، وستغدو جزءا من حكايات الماضي التي تُقال للتندر والتفكه، إذ أن التسوُّق كله سيمسي إلكترونيا بحتا وصرفا، فكل البضائع، كل المنتجات من الألف للياء سيتم طلبها إلكترونيا.
على ذلك يتعيّن على الجميع التعامل مع هذه الوظائف الجديدة على أنها بداية الغيث القادم، وأنها في طريقها للنمو على حساب التجارة التقليدية.
على الشباب العُماني وعلى المتقاعدين أيضا إعداد أنفسهم للتعامل مع هذه الوظائف القادمة بقوة؛ فهي كفيلة بتحسين مداخيلهم اليومية والشهرية وفي ذات الوقت فإن شروط الالتحاق بها بسيطة ولا تخضع لأي اشتراطات غير الالتزام والأمانة وحسن الخلق.
ومن حيث الجانب التنظيمي لهذه المهن نجد أن وزارة النقل هي الجهة المسؤولة عن قطاع النقل البري وتنظيمه وفق المصلحة العامة، بل إنّ التعمين وإيجاد فرص عمل للكوادر الوطنية إحدى المهمات التي تشرف عليها الوزارة في القطاع اللوجستي الخاص وينفذ من قِبل فريق فني مُشكّل لإدارة ومتابعة التعمين في القطاع اللوجستي بالتعاون مع الجهات المختصة ذات العلاقة كوزارة القوى العاملة والمركز الوطني للتشغيل وغيرها من الجهات.
ومن حيث الجدوى الاقتصادية لهذه الوظائف فالأرقام والإحصائيات تشير إلى أن شركات الطلبيات تبلغ مبيعاتها بالملايين، وتنجز في اليوم أكثر 15.000 طلب يتوزع على شركات قليلة يعمل بها أكثر من 3.000 عامل كلهم من الوافدين، وأقل تكلفة توصيل تبلغ 750 بيسة، وبإجراء عملية حسابية بسيطة لو قسمنا 15.000 طلب يوميا على 3.000 موظف، يكون نصيب كل عامل 50 طلبا في المتوسط في اليوم، وأقل تكلفة للطلبية الواحدة 750 بيسة، يعني متوسط الدخل اليومي للشخص الواحد 37 ريالا في اليوم، وإذا ضربنا 37 في 30 يوما فالناتج 1.150 ريالا شهريا في المتوسط، فهل هذا الدخل الشهري غير مناسب؟ أليس من الواجب ذهابه للمواطن، أم نتركه يذهب للوافدين نتيجة لعدم إدراكنا وفهمنا لواقع التجارية الإلكترونية؟
كما أنّ عدد العاملين في شركات الطلبيات - وفق البيانات المتوفرة - أكثر من 3.000 موظف وافد من شركات تأجير العمالة وبعضهم هاربون من كفلائهم وبعضهم يعمل بدوام جزئي مخالفين لقانون العمل والإقامة، ورسوم التوصيل تذهب للعمالة الوافدة كتدعيم للتجارة المستترة.
وفي ظل الجائحة وضحت أهمية هذه الوظائف بنحو جلي وأوضحت الوزارة بموقعها في "تويتر" بأن هناك صعوبات كبيرة يواجهها الشباب العُماني الراغب في امتهان هذه المهنة وفتح شركات في ظل وجود المنافسة الأجنبية في هذا السوق الواعد، الأمر الذي أضعف الطلب على المنصات الإلكترونية الوطنية، إذ يشير قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار رقم 67/2014 إلى عدم السماح بزيادة نسبة الاستحواذ على 35% في السوق، وبالتالي فإن تفكيك هذه الاحتكار وكسره يتأتى من خلال النظم والتشريعات المنظمة له والتي تمنح أكبر قيمة مُضافة من الأعمال التجارية للوطن والمواطن، كما سيتم فرض اشتراطات على المنصات الإلكترونية التي توفر خدمات التوصيل بحيث لا تتعامل إلا مع مندوبي التوصيل العُمانيين الذين سيتم ترخيصهم.
نأمل من المجتمع أن يكون داعما لمثل هذه القرارات ومحفزا للشباب للعمل في كل المهن وفق المستويات التعليمية والتأهيلية المتفاوتة، وأن تستفيد شرائح واسعة من الشباب والموظفين والطلبة من هذه الفرص ولا تتركها للوافدين لعدم وعينا وإدراكنا لما تعنيه هذه الوظائف الجديدة، فهي ببساطة تمثل المستقبل المهني الإلكتروني باعتباره سيد الساحة الاقتصادية القادمة.