وقف خاص للتدريب و"التشغيل"

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠١/يوليو/٢٠٢٠ ٢٠:٥٨ م
وقف خاص للتدريب و"التشغيل"

بقلم: علي المطاعني

في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الراهنة التي تصيب دول العالم، والسلطنة جزء منها، فإنَّ تمويل برامج التدريب بأنواعها وخاصة المقترنة بالتشغيل أو التأهيل لأبنائنا تواجه تحديات تتمثل في توفير واستدامة التمويل لهذه البرامج من الدولة للعديد من الدواعي في ترتيب الأولويات الاقتصادية والمالية وفقا لأهميتها، وعليه فإنّ إطلاق وقف للتدريب والتشغيل يكتسب أهمية كبيرة عبر إسهام المجتمع في تدريب وتشغيل أبنائنا بعد خضوعهم لبرامج التدريب المقترن بالتشغيل الذي يضطلع به الصندوق الوطني للتدريب لتأهيل الشباب العُماني في العديد من المجالات المُلحّة التي يتطلب إحلال الكوادر الوطنية فيها، الأمر الذي يتطلب من الجهات المختصة العمل على إطلاق هذا الوقف الحيوي بشكل عاجل.
بلا شك أنّ الدولة تضطلع ببرامج التدريب منذ سنوات طويلة وتُسهم إسهاما كبيرا في التدريب عبر الكثير من البرامج التي أسهمت طوال السنوات الماضية في تأهيل العديد من أبنائنا في العديد من المهن والوظائف، إلا أنّ برامج التدريب ستواجه صعوبات في تمويلها في السنوات القادمة ‏بفعل الأزمة المالية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط وفيروس كورونا الذي شلّ القطاعات الاقتصادية، ومن الطبيعي أنْ تتأثر هذه البرامج التدريبية وبالتالي تنعكس سلبا على إحلال أبنائنا في الوظائف والمهن المخطط لها، وهو ما يستدعي أنْ نفكّر في الحلول التي تخرجنا من هذا المأزق، ولعل إنشاء صندوق وقفي - تحت أيّ مسمّيات - ذو أهمية كبيرة في المرحلة القادمة ويجب التفكير فيه لإيجاد مصادر تمويل مستدامة لهذه البرامج لكي تستمر في تحقيق خططها وأهدافها إلى ما نتطلع إليه في أن نرى أبناءنا يتدرَّجون في مفاصل العمل في كل الوظائف بدون أي تأخير أو تأجيل.
إنَّ الوقف التعليمي موجود في الفقه الإسلامي العُماني وإرث تاريخي في هذا الوطن يجب إزاحة الغبار عنه والترويج له بكل الوسائل لرفع المساهمة المجتمعية إلى مستويات تخفف من تكاليف البرامج وتستوعب أبناءنا في برامج تأهيل تمكنهم من العمل.
فاليوم طرق الخير كثيرة وليست مرهونة فقط في بناء المساجد في البلاد التي يزيد عددها على 16 ألف مسجد وجامع، إذ النظر إلى مجالات الخير الأخرى هو أمر مُباح ومُتاح وبما يُسهم في تحقيق الأمن الاجتماعي وسد رمق الأسر والعائلات وتأهيل الأفراد للاعتماد على أنفسهم، كلها مجالات أجرها وثوابها يوازي ويساوي بناء الجوامع والمساجد، ولعل المقولة المأثورة (لقمة في فم جائع أفضل من بناء ألف جامع) لخّصت الحكاية كلها وبنحو دقيق.
إذن فالوقف الخيري له ذات الثواب والجزاء الحسن تماما كما لمجالات الإحسان الأخرى مصداقا لقوله تعالى في سورة آل عمران: )لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (92).. صدق الله العظيم، وأيضا في قوله تعالى في سورة البقرة: )وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (110).. صدق الله العظيم.
وهناك من السنن ما يكفي لتعزيز هذا الوقف المهم للمجتمع وللوطن، وبالتالي فإنّ الشركات والأفراد معنيون بالتعاطي مع هكذا مشروعات تأهيلية عبر صندوق مقترح أن يُنشأ من إحدى الجهات الراعية للتدريب مثل الصندوق الوطني للتدريب الذي يضطلع بهذا الدور وحقق نجاحات جيّدة يتطلب الاستمرار في رفدها وتأكيدها عبر إيجاد صندوق وقفي يُسهم في استدامة التدريب.
وهناك الكثير من الأفكار التي يُمكن استلهامها لتحفيز الشركات والأفراد للإسهام في مجالات التدريب عبر الصندوق، منها إيجاد أسهم وقفية للتدريب كتخصيص أصول وأسهم للتدريب على سبيل المثال.
إنّ الالتفاف المجتمعي على مثل هذه البرامج التعاونية والهادفة إلى تجاوز الصعوبات في مثل هذه الظروف الاستثنائية أمر تُمليه الضرورة المُلحّة لمتطلبات المرحلة الحالية.
وبالطبع هناك الكثير من الأفكار لتمويل التدريب من القطاع الخاص كفرض رسوم على استقدام العمالة وغيرها من الأفكار التي قد تُسهم في رفد التدريب أو يُفترض أنْ تُسهم فيه.
نأمل أنْ نرى صندوقا (وقفيا) للتأهيل والتدريب والتشغيل في البلاد لما له من أهمية خصوصا في هذا المنعطف الدقيق الذي تمرّ به البلاد، وليُسهم في استدامة التدريب والتأهيل لأبناء الوطن ونضمن بذلك استمرار هذا الزخم بغير توقف، وما نعايشه اليوم من ظروف أملتها الجائحة لخير دليل على أهمية هذا الوقف.