مركز التشغيل.. دور محوري في ظروف استثنائية

مقالات رأي و تحليلات السبت ٠٤/يوليو/٢٠٢٠ ٢١:١٣ م
مركز التشغيل.. دور محوري في ظروف استثنائية

بقلم: علي المطاعني
رغم أنَّ المركز الوطني للتشغيل لم يمضِ على بدء عمله إلا ستة أشهر، إذ بدأ في الأول من يناير 2020م وسط ظروف اجتماعية واقتصادية وصحية صعبة خلال الفترة الماضية جراء بعض التداعيات التي أسهمت في تقلص التوظيف نتيحة للانكماش الاقتصادي والمستجدات الصحية التي توالت في الفترة الماضية الكل على علم بها، إلا أن توظيف أكثر من 16 ألفا في القطاعين العام والخاص سواء كباحثين عن عمل جدد أو جراء دوران وظيفي أو رواد أعمال أو مبادرات وغيرها يعد تطوُّرا إيجابيا من شأنه أن يعود بنتائج طيبة في تعزيز مجالات التوظيف وإدارته بشكل أفضل يُسهم في استيعاب الكوادر الوطينة في مجالات العمل المختلفة.
فمَن كان يتوقع أن يتوظف في الأشهر الستة الماضية هذا العدد وسط هذه الظروف، الأمر الذي يتطلب - من الجميع - تفهّم هذه الدواعي الهادفة إلى إحداث نقلة نوعية في عملية التوظيف تحتاج المزيد من التروي والتعاون وعدم التنمّر لأخطاء بسيطة لا تشكّل واحدا بالمائة من الأسماء سقطت سهوا أو نتيجة عدم تحديث بيانات أو غيرها من الأخطاء البشرية التي لا يجب أن نقف لها بالمرصاد في ظل هذه الظروف الصعبة التي تلم بالعالم والسلطنة جزء منها.
مما يُثلج الصدر أنه في الوقت الذي تعلن فيها دول العالم وكبريات الاقتصاديات في أوروبا بأن الملايين سيفقدون وظائفهم ومصادر رزقهم، تأتي الحكومة ممثلة في المركز الوطني للتشغيل وكل القطاعات التي ترعى التوظيف للإعلان عن الأعداد التي تم توظيفها في ستة أشهر فقط، فهذا في حد ذاته تطوُّر يجب أن ننظر له بالإيجابية التي تحفّز الآخرين لمضاعفة العمل في هذا الاتجاه والإسهام الفاعل في إظهار الإيجابية في التعاطي مع العمل بحد ذاته كعمل يكون بالتراضي بين الأطراف وليس "زواجا كاثوليكيا" ونتيجة لتهيئة الظروف ورغبة بين الجانبين بالعمل وليس إكراها في عالم اليوم الذي حتى المنظمات الدولية ترفض فرض العمل بالقوة.

فاليوم السلطنة ربما من الدول القلائل التي تُلزم الشركات بالعقود الدائمة لمواطنيها ويصعب على المؤسسات إنهاء خدمة المواطنين إلا في أضيق الحدود، فهذا تطوُّر إيجابي يجب أن نُظهر له الامتنان والتعاون لإنجاحه وليس العكس بالنيل منه بكل الوسائل؛ فهذه النجاحات تحتاج إلى تعزيز وتعاون بما يُسهم في استمراريتها وديمومتها.

فما يُثار حول بعض الأخطاء في نشر أسماء سبق توظيفها أو لم تتوظف إلى غير ذلك مما ورد وتم تضخيمه بشكل لا يتوافق مع القيم والأخلاقيات أن تكون بهذا الشكل لا يدفع الجهات والأفراد حتى للتصدي لمثل هذا العمل في إدارة ملف التشغيل؛ فعند نشر 16 ألف اسم مرة واحدة من الطبيعي أن تحدث فيها أخطاء وتكرار وغير ذلك، والتضخيم لا يخدم الموضوع جملة وتفصيلا ويخرج عن حدود اللياقة في المخاطبة لم نعهدها من قبل بهذا السوء والتلفظ غير اللائق أن يصدر مهما كانت الأسباب.

وحول مطالبة البعض بالشفافية في التعاطي مع قضية إدارة الباحثين عن عمل بحيث تكون كل الأمور واضحة للرأي العام، فما تم تنفيذه يُعد خطوة جيّدة ومحسوبة للمركز الوطني للتشغيل بهذا المستوى من التنظيم واستجابة للمطالب بتحديد أعداد المسجلين في التأمينات الاجتماعية لأول مرة (في فصل تام ما بين التعيين لأول مرة، والدوران الوظيفي ورواد الأعمال إلى غير ذلك)، في إشارة إلى أن القادم أفضل إذا أعطينا للعاملين الفرصة لأن يعملوا بالأريحية التي تتطلبها مثل هذه الأعمال، لذا فإن تشجيع الآخرين على انتهاج هذا الأسلوب في النشر يعد من الشجاعة ويستحق التقدير والتحية لجهودهم بهذا الفكر في إدارة ملف التشغيل، منفتحين على مواجهة ما ينشره والاعتراف بالخطأ حال وقوعه.

الجانب الآخر الذي يُحسب للمركز الشمولية ربما يكون التقرير الأول من نوعه الذي يضم كل الجهات مرة واحدة، حيث تم تفصيل الأعداد (حسب القطاعات ومن سبق له العمل ومن لم يسبق له العمل والجنس المؤهل الدراسي) إلى غير ذلك من بيانات دقيقة كبداية تصحيح الكثير من البيانات بشكل يعطي صاحب القرار صورة واضحة عن بيانات العاملين والقطاعات التي استوعبت هذه الأعداد، فهذه الشمولية والتنظيم في عرض العاملين لا يجب أن يُنسفا بأخطاء ظهور بعض الأسماء متكررة كباحثين عن عمل أو سبق أن عملوا قبل بدء فترة المركز.

فرغم أنّ المركز الوطني للتشغيل لم يصرّح أو ينسب لنفسه أعداد الذين تم تعيينهم، إلا أنه من الطبيعي أن تنسب وسائل الإعلام ذلك للمركز؛ فدوره هو تسهيل وتوحيد عملية التشغيل والمواءمة بين العرض والطلب (الفرص الوظيفية والباحثين عن عمل)، بل ولم يتطرّق في أي من منشوراته إلى أنه قام بالتوظيف وإنما يذكر الأرقام فقط! في حين أنّ ما أثِير عكس ذلك كله لإثارة الرأي العام وقلب الحقائق التي لا تخدم أحدا في مثل هذه الظروف الاستثنائية بل يجب أن نلتف على بعضنا بعضا في مواجهة التحديات.

‏ومن الأهمية ذكر أن قيام المركز خلال ٦ أشهر فقط منذ بدء عملياته بهذا النشر يعتبر إنجازا قياسا بحجم العمل المطلوب لتجميع والتحقق ونشر هذه البيانات والأسماء التي تربو على ١٦ ألف شخص، فهذا ما يجب تقديره وتجاوز الأخطاء إذا كانت في بعض الأسماء؛ فنشر الأسماء متبوعة بأسماء الشركات في حد ذاته تطوُّر إيجابي مما يهدف إلى كشف ممارسات بعض شركات القطاع الخاص التي لا تتعاطى مع التعمين بجدة متهربة من التزاماتها الوطنية، وكذلك التزام بعض المواطنين فيما يتعلق بالعمل، وهو أمر محمود وسيكون النشر بشكل مستمر فضحا لهذه الممارسات غير القانونية من قِبل الأطراف المعنية، وسوف يتبعها فرض عقوبات على المخالفين، فهذا التطوّر يجب أن يُنظر إليه بإيجابية فهو يسهم في تصحيح ومعالجة الأخطاء والردع عن طريق النشر والملاحقات القضائية فيما بعد، فلا نريد أن تقصم الأخطاء التي وقعت (ظهر البعير) - كما يُقال - وتنسف الأمور كلها.

بالطبع المرحلة الراهنة من عمل المركز - وهي بسيطة - يمكن أن يُطلق عليها (مرحلة التغيير) ومن الطبيعي أن تؤلم البعض ممن لم يتعوّد على مثل هذه الشفافية، ومن الأهمية الاستمرار في هذه الآليات والمنهجيات الهادفة إلى المزيد من الوضوح في إدارة ملف التشغيل، وإذا كان هناك بعض القصور أو الأخطاء فتتم معالجتها، فالكمال لله وحده.

ولعل المبدأ الذي عززه النشر والتعاطي الجديد مع ملف حساس كالتشغيل، هو مبدأ الشراكة في إدارة العمل نحو الأفضل في القطاعين العام والخاص، والتفاعلات - وما أثير - ستؤخذ بعين الاعتبار لتجويد العمل وتطويره وفق ما يتطلع إليه الجميع لكن ليس بالصورة وردة الفعل التي وصلت إلى مسامع الكثيرين والتي لا تتوافق حتى مع حجم الخطأ ونواياه.

بالطبع مهمة التشغيل ليست مهمة المركز الوطني للتشغيل فقط وفق الاختصاصات وإنما مسؤولية الجميع، فقطاعات الدولة المختلفة هي مولّدة لفرص العمل، وليس المركز الذي لن يستطيع علاج هذا التحدي منفردا وإنما بتعاون كل الجهات والمواطنين كفريق واحد ولا ننتقص من جهود بعضنا وننبّه بعضنا لأي خطأ أو تقصير.

وكذلك علينا أن نتفهّم الظروف الراهنة ومعطيات المرحلة بكل تفاعلاتها وكل ما أثِير والوسائل المستخدمة التي تتناقل الأخطاء وتتغافل عن الإيجابيات بهدف الظهور تارة والتنمّر تارة أخرى إلى غير ذلك، إلا أن ذلك لن يُثني الجهود المبذولة وتطلعاتها إلى الأفضل بشأن هذا الوطن وأبنائه، ولكن من الأهمية في المقابل أن نقدّر الجهود وثمّن الدور المبذول في هذه الظروف بكل تداعياتها وقساوتها التي تمر بها دول العالم.

نأمل ألّا نضخّم أخطاء بعضنا البعض، ونعمل بروح أفضل لتجاوز التحديات مهما بلغت وتتضافر الجهود بشكل أكبر لسد الثغرات البسيطة التي من الطبيعي أن تعتري مثل هذه الأعمال في إدارة ملف التشغيل في البلاد وما يشهده من تجاذبات ليس من السهولة التوفيق فيها بين أطراف متعارضة المصالح ومتضاربة الاتجاهات.