التحديات التي تواجه عمان الصادرات والتنمية الاقتصادية."١١"

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٥/يوليو/٢٠٢٠ ٢٠:٠٧ م
التحديات التي تواجه عمان
الصادرات والتنمية الاقتصادية."١١"

مرتضى بن حسن بن علي


الصادرات العمانية غير النفطية ضيئلة جدا، وهي من التحديات التي يعاني منها الاقتصاد العماني ،بجانب التحديات الاخرى. وبسبب إستيراد عمان معظم إحتياجاتها
من الخارج، والممولة من إيرادات النفط والغاز، فان إنخفاض اسعار النفط، يُمارس ضغوطات على ميزان المدفوعات، والذي من شأنه أن يؤثر على قيمة العملة الوطنية، ولا سيما إن تحويلات العمالة الاجنبية كبيرة ايضا. ولذلك من المهم، إعطاء الصادرات السلعية والخدمية،أهمية متزايدة في التنمية الاقتصادية لتكون
، من احدى قاطرات التطور الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل .ونعني بالصادرات الخدمية، السياحة بجميع أنواعها، فهي من احدى أشكال الصادرات المهمة، اذ تساهم في تصدير الخدمات المحلية، والحصول على النقد الاجنبي، وتوفير عشرات الالوف من فرص العمل، كما تساهم في جذب الاستثمارات الاجنبية ووسائل الادارة والتقنية الحديثة.

إحدى أهداف الخطة الخمسية الاولى "١٩٧٦-١٩٨٠"،والخطط الخمسية التي تلتها، تركزت على تقليل الاعتماد على النفط عن طريق تنويع مصادر الدخل، لتكون المصادر المختلفة، قاعدة للصادرات السلعية والخدمية.
عمان، صغيرة في عدد سكانها، وفي حجم أسواقها، ومعظم صادراتها من المواد الاولية غير المصنعة. ولذلك من المهم، الاهتمام بالصناعات، وتصدير سلعها المُصنعة الى البلدان المختلفة.بالطبع يتطلب ذلك،توفير قوى عاملة عالية المهارة والانتاجية، قادرة على المساهمة في التصنيع عالي الجودة.
وعلى عكس ما يعتقده البعض،بتركيز الاهتمام على الدول الفقيرة، في أفريقيا وأسيا، وغيرها من الدول النامية، بحجة انها تمثل أسواقا مناسبة للمنتجات الوطنية، ويمكن التوسع فيها، فإن العكس هو الصحيح. فالنجاح الصناعي، يتطلب الارتقاء بالجودة، ،والتركيز فقط، على اسواق الدول الفقيرة، معناه الهروب من المنافسة الحقيقية، وقبول الاكتفاء بمعدلات متوسطة، وحتى منخفضة من الجودة، والذي يعني الخشية من المنافسة العالمية. من الصعب ان تحقق أية دولة تقدما إقتصاديا بتركيز تعاملها مع الدول الاقل نموا، وبالتالي الاقل تشددا في المواصفات الفنية. وقد حاولت بعض الدول السير في ذلك الاتجاه، ولكنها سرعان ما اكتشفت، بأن السبيل الوحيد، هو المنافسة، في اكبر الاسواق واكثرها ديناميكية وتطورا . إضافة الى ذلك ،فإن الاسواق الفقيرة تنمو ببطء ، وكثيرا ما تتعثر في الدفع، او تضطر الى توقيف الاستيراد بالعملة الصعبة.ولكي تنجح عمان، فإن عليها ان تدخل وتنافس في الاسواق الاكثر تقدما ونموا. وذلك لا يمنع، بتخصيص بعض خطوط الانتاج وتوجيها الى الاسواق النامية، على ان يكون جوهر استراتيجية التصنيع والتصدير، التنافس في ظل اقتصاد عالمي تتراجع فيه الحدود والقيود، ويكون التنافس قادرا ان يضمن إستمرار نجاح تسويقها .وكل ذلك يتطلب، سياسات تعليمية وتدريبية عالية المستويات وسوق عمل مرنة القوانين ، وتوفير الحوافز الكافية للصناعات المحلية ،للولوج في الاقطار المختلفة، مع الحرص على تطوير مزايا تنافسية، لهذه الصناعات. ما هو المهم في هذه المرحلة، هو التأكيد انه لا مناص من اعطاء التطوير الاولية في التنمية الاقتصادية ، على ان يكون ذلك على اساس من الميز النسبية وفي جو من المنافسة، بحيث تصبح الصناعات التصديرية هي قاطرة النمو الاقتصادي.

في عمان هناك فرص متعددة لايجاد صناعات معتمدة على الموارد الموجودة.فهناك فرص للصناعات التحويلية القائمة على النفط والغاز والثروات التعدينية الاخرى، إضافة على الثروة السمكية والزراعية، اذا ما تم التركيز عليها بواسطة إستعمال أحدث الوسائل التكنولوجية.والصناعة التحويلية هي عبارة عن تحويل المادة الخام، من صورتها الاولية الى صورة اكثر قيمة، لكي تكون احدى محركات التنمية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل وتوفير فرص عمل كبيرة، والحصول على النقد الاجنبي، إضافةً لكونها وسيلة لجذب الاستثمارات الاجنبية وتوطين الصناعة والتكنولوجيا.
وفيما يتعلق بالصناعات الاخرى، فمن المهم ان لا يتجه هذا التصنيع الى كامل السلعة،بداية على الاقل.فسوقنا صغير ، ومن الصعب الاعتماد عليه، لتغطية كلفة اي مشروع في ظل منافسة شديدة. من جهة اخرى لا تقوم كل دولة بكامل التصنيع بكل مكوناتها.فالعادة ان تلجأ الدول المتقدمة الى الاعتماد في استيراد معظم المكونات ،من دول اخرى. وقد دخلت معظم الدول النامية مجال التصدير الصناعي من هذا المدخل . فهذا ما فعلته جنوب شرق آسيا، وبعد ذلك فعلته العديد من دول وسط وشرق أوروبا. بطبيعة الاحوال فإن البدء بانتاج مكونات الصناعة،ليس نهاية المطاف،بل هو بداية الطريق تدرجا الى المراحل الاكثر تقدما والاكثر تعقيدا.وعلى سبيل المثال ليس مفيدا إستيراد جميع اجزاء السيارة من الخارج وتجميعها في عمان . من الافضل البدء بانتاج مكونات محددة لصنع السيارة او اية سلعة اخرى تحتوي على مكونات متعددة، بدلا من إستيراد كل المكونات الاخرى وتجميعها في عمان.وبطبيعة الاحوال، فان الدخول في صناعة مكونات الصناعة، يتطلب مراعاة المواصفات والمعايير الدولية للانتاج، كما يتطلــب -عادة-الدخول في تحالفات واتفاقات مع الشركات العالمية المتعددة، التي تسيطر على الصناعات المختلفة. ولا يخفي ان التعامل مع الشركات العالمية المتعددة الجنسيات، والتي تسيطر على معظم التكنولوجيات المتقدمة، يتطلــب إستراتيجيات واضحة تحقق التوازن بين المصالح الوطنية، وبين توفير الحوافز المناسبة لتشجيع هذه الشركات العالمية للتعامل مع الشركات الصناعية المحلية لانتاج مكونات الانتاج.
ولا يكفي إختيار فروع الانتاج الصناعي لتطوير الصادرات الصناعية فقط،بل ان التسويق يعتبر عنصرا أساسيا في نجاح الصادرات. ومن هنا تبرز الحاجة لاقامة تحالفات او شراكات مع شركات تجارية عالمية، من اجل فتح الاسواق امام المنتجات الوطنية.
واضافة الى حسن اختيار مجالات التصنيع والقدرات التسويقية والتحالفات، فان وجود تسهيلات تمويلية ضروري جدا. وتملك معظم الدول الصناعية مؤسسات مالية للمساعدة في تمويل وضمان ائتمان الصادرات.وعليه فعلينا ان نفكر في موضوع انشاء بنك لتمويل المشاريع الصناعية وضمان ائتمان الصادرات.
الصادرات الخدمية تعتبر أيضا مهمة جدا .وتعتبر السياحة رافدا كبيرا ومهما للصادرات الخدمية. وإضافة الى ضرورة وجود كل التسهيلات التي يتوقعها السائح، فان إعداد الطواقم التي تتعامل مع السواح مهمة جدا. ويعتبر الفرد احد اهم العناصر المتعلقة بالتعامل مع السياح، مما قد يجسد له قيمة في المعاملة ويعطي صورة إيجابية لمجتمع مثقف سياحيا .ذلك يشمل حسن استقبال ضيوفه من السواح وزرع ثقافة سياحية تمكن من خلق أجيال تعرف قيمة دور السياحة في الاقتصاد، وحتى في قطاعات اخرى، وتتعلم وتحافظ على الموروث السياحي، لاعطاء السائح صورة ايجابية عن المجتمع، فالسياحة مرتبطة باخلاقيات الافراد ولا يمكن إزدهارها وترقيتها الا اذا شملت رعاية المجتمع ككل .
من المهم ايضا، التنويه في هذا الصدد، عن وجود دول اخرى، في جنوب شرق اسيا، واجهت اكثر من مشاكلنا، ولكنها سارت بسرعة كبيرة، بتحقيق معجزة إقتصادية ، في السنوات الاخيرة من القرن العشرين، وهي ما عُرفت باسم "النمور الاسيوية". بعضها لم تكن تمتلك اية موارد - مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية- وقبلها دول مثل سويسرا واليابان -. لقد أتبعت جميعها نظاما تعليميا تدريبيا صارما وبالغ الكفاءة، مع الاعتماد على الصناعات في إقتصاد مفتوح، رغم إفتقادها الى مواد الخام الضرورية، وكانت النتيجة أن أصبحت الصادرات الصناعية، هي اساس التقدم الصناعي، وقاطرة النمو فيها.وكل هذه الدول إعتمدت في الاخير على صادرات صناعية متطورة ، وليس على منتجات مواد اولية،او طبيعية ، بل إعتمدت على صناعة متقدمة تكنولوجيا،في ظل تحالفات مع اكبر الصناعات، مع توفير امكانيات التقدم، والتطوير التكنولوجي، في جو من المنافسة والانفتاح على اقتصاد عالمي متنامي الاطراف.