كيف تبنى المؤسسات الصغيرة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٥/يوليو/٢٠٢٠ ٢٠:١٤ م
كيف تبنى المؤسسات الصغيرة

سمعان كرم

كثيرة الكتب التي تّدعي تعليم قارئها كيف يجني أول مليون دولار في الحياة، والكاتب يكون عادةً مفلساً كذلك الكتب التي تعطي وصفات غذائية يخسر من يعمل بها عشرين كيلوغراماً في خلال شهرين، بينما الكاتب وزنه ضخماً سميناً. اذا كانوا فعلاً يعرفون الطريقة فليطبقوها على انفسهم اولاً قبل إرشاد الناس. وكثيرون ممن يتكلمون عن ريادة الأعمال الصغيرة ولم يمارسوا يوماً عملاً حراً ولا دخلوا السوق من تلك البوابة. انا شخصياً وبكل تواضع ساهمت بتأسيس العديد من الشركات والمؤسسات الصغيرة والتي كبرت ونجحت ومنها لم ينجح وغاب عن السوق ولابأس بذلك.
فما هي اذاً عناصر النجاح لمن يوّد الانطلاق بأعمالٍ حرة له وحده او مع بعض زملائه.
لنبدأ بطرح بعض الاسئلة على انفسنا هل "الدعم" مثلاً عنصرٌ اساسيٌ للنجاح؟ والجواب كلاّ. من اعتمد لنجاحه على المساعدة فقط لن يحقق الاستدامة لعمله ولايضيف شيئاً في الاقتصاد الوطني بل عليه ان ينسى فكرة الدعم وان يعتبره مكافأة إضافية إن اتت من جهة حكومية او من القطاع الخاص.
وهل العلم والشهادات المدرسية او الجامعية ضرورية لنجاح المؤسسات الصغيرة؟ ليس بالضرورة ابداً. ان العلم قد يساعد في الابتكار والتحليل لكنّه ليس عنصراً حيوياً للمؤسسة. لابل كثرة العلم والألقاب الطنانة مثل "دكتور" قد تعيق صاحبها لانه يرى الامور نظرياً وليس عملياً في بعض الاحيان. وكم من كبار رجال الأعمال في السلطنة، عمانيين ووافدين، نجحوا في تطوير ونمو مؤسساتهم التي بدأت صغيرة ولم تتوقف عن النمو والازدهار.
هل درجة الذكاء الموروثة او حتى المكتسبة مهمة لنجاح الأعمال؟ طبعاً لها بعض التأثير على المسيرة لكن هناك مايعوّض عنها ان ضعفت. وهل الحظ او مايعتبر حظاً اساسيٌ ايضاً. كلاّ بل هو ايضاً بمثابة مكافأة إضافية تأتي للمؤسسة. وهل هو حجم رأس المال اذاً؟ بالرغم من اهميته فإنه لايشكل حجر الاساس.
فما هي اذاً العناصر التي يجب ان تتوفر لتحقيق النجاح؟ في الطليعة يأتي حب العمل والشغف به دون النظر الى عقارب الساعة إن في النهار او في الليل. فالمؤسسة عند ولادتها تحتاج الى أم لأن الأم لاتنام عن حاجات طفلها، بينما الأب ينام احياناً. وإن اسندت الأم مهامها الى مربية وافدة قد نفقد الهوية ونفشل في بناء عائلة. والمقاربة جيدة مع من يفكران يأتي بوافدٍ للانطلاق بمؤسسته وعقد الآمال عليه لا بل يعتبره ملكاً له، ذاك الرجل لن يبني مؤسسة مرشحة لأن تنمو وتكبر. لابل تكون دائماً معرّضة للتوقف اذا ماغاب الوافد. ان لم يتولىّ صاحب الفكرة العمل بنفسه ولنفسه لا نكون قد حققنا الفائدة المنتظرة لرائد الأعمال ولا للإقتصاد الوطني. العمل الجاد والمباشر والدؤوب يعوّض عن الدعم والعلم والذكاء، ويغلب اصحاب تلك السمات إن كانوا كسالى او على الأقل يقلّص الفارق والعجز، إن وجد، وبالتالي اية مؤسسة صغيرة مبنية على وافدٍ عند انطلاقتها لن تستديم ولاتستحق الدعم لانه سيذهب هدراً يوماً ما.
اما بالنسبة للمنافسة نعالجها بالثقة بالنفس وبتميّز الخدمة او المنتج عن طريق ضبط الجودة وإدارتها والإلتزام بالمواعيد وبالسلامة المهنية على مواقع العمل وبجميع الممارسات الجيدة.
هذا من ناحية رائد الأعمال. لكن ماذا عن تنظيم البيئة التي ستنمو بها مؤسسته اليانعة. كلنا يعلم ان المزارع الذي يغرس نخلة صغيرة (صرمة) في ارضه ويأمل يوماً ان ترتفع عالية حتى السماء دون اية انحناءات في جذعها عليه ان يؤمن لها البيئة المناسبة. فيترك لها المسافة اللازمة كي تصلها اشعة الشمس ويبعدها عن ظل الاشجار المجاورة ولايغرسها في منطقة الظل. كذلك تحتاج المؤسسات الصغيرة الى توفير البيئة الضرورية لنموها عن طريق التشريعات والتدريب والتعليم والثقة بها والاعتراف بدورها.
اذا ما وجد الشغف بالعمل وحب المسؤولية والطموح الى النجاح من جهة وهيئنا البيئة الملائمة لهم، تمكنّ ذلك الشاب وتلك الشابة ان يذهل اهله ومجتمعه ووطنه بالنجاحات الباهرة.