عدم الالتزام و تراكمات السنين!

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٨/يوليو/٢٠٢٠ ٢٠:٠٣ م
عدم الالتزام و تراكمات السنين!

بقلم: علي بن راشد المطاعني

ليس غريبا عدم الالتزام بالتوجيهات والتعليمات الخاصة للحد من انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)، وبالقدر الذي جعل اللجنة العليا تخرج عن صمتها وتُعلن بأنّها سوف تغلّظ العقوبات على المخالفين وتنشر أسماءهم وصورهم في وسائل الإعلام، فعدم الالتزام من ناحية عامة للأسف أضحى ظاهرة سائدة لدى شرائح واسعة من المجتمع وعبر ممارسات امتدت لسنوات خلت وتتمحور حول وفي عدم الانصياع للنُظم وازدراء القوانين والتعليمات في البلاد، إلى أنْ طفت هذه الظاهرة على السطح وإذ هي مُشاهدة وتُرى بالعين المجردة، مما يتطلب اجتثاثها من الجذور برفع سقف العقوبات والحزم في تنفيذ القرارات واحترام النظام والقانون، الأمر الذي يفرض إعادة النظر في الكثير من الأمور في البلاد في هذا الشأن وغيره ليعود المجتمع ملتزما بكل الموجهات والتوجيهات والأُطر والتشريعات.

ولعل ما يدفعني لقول ذلك هي تجربة شخصية عايشتها طوال سنين عملي بالصحافة والكتابة في الشأن العام والمتابعة للمتغيّرات الاجتماعية، فأكاد أجزم بناءً عليها بأنّ البعض باتت لديه مناعة فطرية من أي قرار ومن أي توجيهات تصدر بالبلاد عبر قناعات لهم راسخة بأنّ تلك القرارات أو التوجيهات لا تعدو أن تكون حبرا على ورق، والبعض وإذ هو لا يعبأ بالقوانين دائما ما تكون لديه الخطة (ب) أو (Plain B) جاهزة وحاضرة وهي الخاصة بالالتفاف على تلك التوجيهات والقوانين والقرارات.

على ذلك، كانت تعليمات اللجنة العليا المكلّفة بمتابعة تأثيرات فيروس كورونا منذ شهر مارس الماضي تندرج تحت تلك القناعات العجيبة الراسخة بأنّها تحصيل حاصل كغيرها من التعليمات والقرارات التي يتم تجاوزها بعد صدورها، وذلك خلاف الكثير من الدول التي تحترم شعوبها القوانين والتوجيهات الرسمية الصادرة. فالعكس هو ما نجده لدينا؛ فالذين عُهِدت إليهم متابعة تنفيذ التوجيهات نجدهم في طليعة المخالفين لها أو المندرجين تحت بند الاستثناءات منها، وبالتالي يستحيل أن يُنظر إليهم كقدوة حسنة، فوزارة الصحة قد بحَّ صوتها وهي توجّه وتشرح وتحذّر وبغير أن يُعيرها أحد اهتماما يُذكر، إلى أنْ بلغ السَّيلُ الزُّبَى في أعداد الإصابات وتصاعد منحياتها على عكس الكثير من الدول.

والقليل جدا هم الذين يلتزمون وهذا ليس كافيا بالطبع؛ فهذه التعليمات تندرج في إطار أن "نكون أو لا نكون" وليست بالتالي نزهة أو فرض كفاية إذ قام به البعض سقط عن الباقين، تلك هي القضية لو يعلمون.

صحيح أنّ الاستثناءات موجودة في كل القوانين والقرارات، عليه ينبغي أن نوجِد الإطار القانوني الصحيح الذي تندرج تحت مسماه هذه الاستثناءات وحتى يتسنّى احترام ما تُصدره السلطة العليا من قوانين وتوجيهات ولتسري على الجميع بغير استثناء يُذكر.

على ذلك، لا ينبغي أنْ نستغرب من انتشار كورونا نتيجة لعدم الالتزام وعدم الانصياع للأوامر والتوجيهات؛ لأننا وببساطة نفتقد للوعي القانوني بماهية التعليمات وأهميتها للفرد والمجتمع، وما يحدث الآن هو في الواقع نتيجة لتراكمات سنوات طويلة من عدم المبالاة وتوقير واحترام القوانين كما ينبغي.

فاللجنة العليا ووزارة الصحة راهنتا أصلا على التوعية باعتبارها صمام الأمان في المعركة المحتدمة ضد (كوفيد 19)، وراهنتا أيضا على حقيقة أنّ الجميع سيرتقي بفكره للمستوى المأمول وباعتبار أنّ الأمور باتت شديدة الوضوح، لذلك لم تضعا في حساباتهما أنّ هناك مَن لا يُبالي حتى لو كان الأمر بهذا المستوى الخطير كما أسلفنا.

نحن الآن على قناعة تامة بأنّ الأُطر والتعليمات والتوجيهات إنْ لم تقترن بعقوبات رادعة ومُعلنة كالشمس فمن الأفضل ألّا تصدر؛ والسبب واضح بالطبع وهو أنها لن تجد لها حظا من التنفيذ وهذا هو بيت القصيد، وإذا كان الأمر كذلك فلربما نحتاج لنصف قرن آخر من الحزم حتى نصل لشواطئ الاستيعاب الكامل لماهية القوانين والتوجيهات.

نأمل أنْ نُعيد صياغة مفهوم الالتزام في المجتمع لتغدو فرض عين وفي كل جزئيات حياتنا، وليغدو الالتزام بها واجبا وطنيا، ولنبدأ بتضمين تلك الأفكار الإيجابية في المناهج الدراسية ومن الصفوف الابتدائية، ولتغدو بعد ذلك إحدى أبجديات ومسَلَّمات رؤية عُمان 2040، وبذلك فقط يمكننا بناء هذا المجتمع على الأُسس السليمة والتي تضمن الاستجابة الفورية وبدون إبطاء لكل تحذيرات الخطر وبما فيها معنى إضاءة المصابيح ذات اللون الأحمر، فهذا اللون لا يحتاج معناه لشرح، والتنفيذ هو فقط ما ينبغي عمله، تلك هي الصورة التي يسرُّنا أنْ نراها ونشاهدها على طول البلاد وعرضها.