التحديات التي تواجه عمان (١٣) "لماذا أخفقنا في جذب الاستثمار الاجنبي؟ "

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٢/يوليو/٢٠٢٠ ٢٠:٤١ م
التحديات التي تواجه عمان (١٣)
"لماذا أخفقنا في جذب الاستثمار الاجنبي؟ "

مرتضى بن حسن بن علي

البلدان التي لا تتمكن من توفير مناخ جذاب للإستثمار، لا تتمكن من جذبه، بل ترى إن أموالها أيضا تهاجر إلى الخارج، كما هو الحال مع بلدان نامية عديدة ومنها البلدان العربية، لا توجد أرقام موثقة عن حجم الأموال العربية المهاجرة للخارج، لكن هناك تقديرات متباينة عنها، "المؤسسة العربية لضمان الاستثمار" قدرتها بنحو "١،٤" تريليون دولار امريكي، بينما قدرتها "الامانة العامة لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية" بنحو"٢،٤" تريليون دولار امريكي، اما "مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية" فقد قدرها بنحو "٢،٨" تريليون دولار امريكي، منها نحو "١،٤" تريليون دولار من الدول الخليجية وحدها، ويصطدم الاستثمار في البلدان العربية عموما بمعوقات كثيرة، هي ذاتها في النهاية التي تشكل معوقات للتنمية الشاملة.
الدول النامية التي تمكنت من إستقطاب الاستثمارات قامت بتهيئة البيئة المناسبة لجذبها، لتساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ورفع معدلات النمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة، وحل مشكلة الفقر وقلة فرص العمل.
توفير المناخ الجاذب يعد من الاركان المهمة لجذب الاستثمارات، الوطنية منها او الاجنبية، وهو يتجاوز تماما من مجرد وجود قانون للاستثمار. بغياب عناصر اخرى مكملة، فإن النصوص الجذابة في قانون الاستثمارتبقى بنودا نظرية على الورق، الامر يتطلب إصلاحات أكثر راديكالية وجرأة، من مجرد وجود نصوص نظرية لا تنطبق على أرض الواقع. لماذا لم تتمكن "الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات"، والتي أُنشئت في عام ١٩٩٦م، وتم إضافة اسم "إثراء" إليها في عام ٢٠١٠م، من جذب الإستثمارات الكافية؟ اين نجحت؟ وأين أخفقت؟ وما هي أسباب ذلك؟ لماذا لم تنجح فكرة المحطة الواحدة والتي كان من المفروض ان تقوم بها الهيئة؟ علما إن الهيئة ضمت ممثلين من كافة الوزارات والجهات المعنية بالامر. السبب على ألارجح هو عدم توفر الارادة وعدم التنسيق بين الوزارات والجهات المعنية.
إستعمال عبارات عامة عن "تحسين مناخ الاستثمار" من دون وجود أليات محددة ومن دون متابعتها، لن تقدر بجلب الاستثمارات، نقدر ان نعيد العبارات العامة، مرات ومرات، من دون ان تساهم في حل اي شيء بمفردها، اذا لم نبدأ بهدم الفجوة الواسعة بين النصوص والحقائق على الارض. الاكتفاء بسن القوانين فقط،رغم أهميتها لن يساهم بإيجاد حلول لمشاكل هيكلية متراكمة.إصلاح المشاكل الهيكلية بعمليات تجميلية هنا وهناك، قد تؤدي الى نوع من الانبهار المؤقت، ولكنها لن تصنع شيئا جديدا.
إيجاد بيئة صديقة لجذب الاستثمارات تتطلب القيام باصلاحات متعددة
على اكثر من صعيد، مثل:
١- نقطة البدء، وهو التركيز على دولة القانون، وما يترتب على ذلك من إحترام كامل لحقوق وواجبات المستثمر، ووضوح المراكز القانونية، وخضوع الجميع للقانون وإستبعاد الاستثناءات.
٢- إيجاد نوع من الإستقرار في التشريعات المنظمة للاستثمار، لخلق الثقة لدى المستثمر، فكثرة التعديلات التشريعية وعدم ثباتها، تجعل المستثمر قلقا على إستثماراته.
٣- ضرورة دعم القوانين بالمذكرات واللوائح التفسيرية، وغيابها
تجعل المستثمر في حالة قلق، حيث يكون الباب مفتوحا لاجتهاد المسؤول في تفسيرها، كما تسبب نوعا من الارباك لدى القضاء.
٤- المستثمر يسعى إلى تقليل تكلفة المعاملات بقدر الامكان، كما ينظر الى ضرورة توفير قوة عاملة ماهرة ذات إنتاجية معقولة، وإلى رواتب تتناسب مع الانتاجية والمهارة، وليس حسب الشهادات، وقد ترجع الانتاجية والمهارة وأخلاقيات العمل الى نوعية التعليم والتدريب، ولكنها ترجع أيضا إلى الحماية الزائدة الممنوحة للموظف، والتي تدفعه إلى عدم المبالاة وعدم التقيد بقوانين الشركة أو تحسين مهاراته.
٥- بغياب الحكومة الالكترونية، او نظام المحطة الواحدة، يتأثر المستثمر قطعا بالمناخ العام للروتين الحكومي والبيروقراطية.
٦- المستثمر يتأثر سلبا بوجود قوانين عمل غير مرنة، او التدخل في شؤون مشروعه، او فرض الموظفين عليه، هو ليس بحاجة لهم، او عدم قدرته على التخلص من الموظفين المخالفين لقوانين الشركة وعدم الاهتمام بالانتاجية وعدم توفر أخلاقيات العمل.
٧-العمل على تقليل المصروفات التي يتكبدها المستثمر لبدء مشروعه، فالمستثمر لا ينظر فقط الى إنخفاض الضرائب، والتي هي على أهميتها غير كافية، بل يهمه التكاليف الاخرى التي قد تفوق اية مزايا ضريبية ممنوحة، فالمؤسسات الدولية - مثل البنك الدولي وغيره-تضع مؤشرات لتكلفة ومصاريف المعاملات الاجمالية، لبدأ المشروع وممارسة النشاط، ولا بد لأي بلد يرغب في جذب الاستثمارات من دراستها.
٨- المستثمر يرغب بانهاء معاملاته من خلال المحطة الواحدة وبيسر وسلاسة، بدلا من التعامل مع عشرات الجهات لانهائها.
٩- المستثمر مسؤول عن المصروفات التي تتم داخل مشروعه، فهو يختار الالات المناسبة، وهو المسؤول عن تصميم المصنع، وهو يضع النظم الداخلية للحسابات وشؤون الموظفين، وهو يختار الموظفين، وهو الذي يضع نظم الرقابة على الجودة، وهو يقوم بالتسويق .... الخ.. ولكن المشروع مضطر في النهاية ان يتعامل مع البيئة المحيطة به، من جهات حكومية متعددة وإستخدام مرافق عامة والتعامل مع الموردين، وفي هذه البيئة ممكن ان ترتفع او تتدنى تكلفة المعاملات.
١٠- يعتبر الفساد بشكليه المادي والاداري، من أخطر ما يهدد فرص الاستثمار، أجنبيًا او وطنيا، فالفساد لا يؤدي فقط الى إرتفاع التكلفة، ولكن خطورته تأتي من انه ينشئ جوا من عدم اليقين وعدم تكافئ الفرص، فالتعامل في الظلام وداخل الغرف المغلقة، يحول دون القدرة على الحساب السليم، لذلك فإن اكثر الشركات الكبيرة والناجحة تبتعد عن مواطن الفساد، حيث لا ينجح في هذه الاجواء الا الكيانات غير الجادة، التي لا تبحث عن فرص الاستثمار، بقدر ما تبحث عن فرص الاستغلال والربح السريع، ومن هنا يبقى الفساد العدو الاكبر للاستثمار المنتج، كما يبقى العنصر الاهم في خراب الدول، والمستثمرون لا يأتون إلى البلدان التي ينتابها الفساد، وهم يتابعون التقارير الدولية عن البلدان التي ينتشر فيها، أو على الاقل وجود إنطباع قوي بوجود الفساد، وتصدر هيئة الشفافية الدولية- ومقرها برلين- مؤشرات عن الانطباعات الموجودة عن "الفساد" في مختلف انحاء العالم، وأهمية هذا المؤشر هو انه يشير الى ما يقر في الاذهان عن الفساد في دولة من الدول، وبصرف النظر عن مدى دقة هذا المؤشر الذي يُنشر سنويا، فانه يؤثر على قرار المستثمرين، ومع الاسف فإن مكان عمان في هذا المؤشر ليس جيدا، بل ان عمان تقع في مركز متأخر نسبة الى عدد من الدول العربية، ولا شك أن تحسين صورة المؤشر في عمان من شأنه تحسين مناخ الاستثمار بدرجة كبيرة.
١١- تدفق المعلومات والبيانات المالية السليمة وبصورة منتظمة وشفافة، والمتوافقة مع المعايير الدولية مهمة جدا للمستثمرين، ليتمكنوا من حساب العوائد والتكاليف المتوقعة، كما إن طريقة الاعلان عن المناقصات والمعايير المستعملة لمنح الاعمال مهمة.
١٢- التضخم الوظيفي ومعايير المسائلة والعقاب والثواب، وتضارب المصالح والسماح لموظفي الدولة بالعمل التجاري، من الامور التي تجذب إهتمام المستثمر، لانها تؤدي الى انتشار الفساد، وإنتشار البيروقراطية والروتين الخانق الذي يعانيه المستثمر.
عمان وهي تتطلع إلى الامام، فانها بحاجة كبيرة لتذليل كل العقبات التي تحول بينها وبين الاستثمارات الاجنبية، لتشترك مع الجهود الاخرى، من تحقيق قفزات مستمرة وواضحة في مستوى دخلها القومي ومعيشة مواطنيها وتوفير فرص