التحديات التي تواجه عمان (١٤).. "كيف نتمكن من جذب الاستثمار الاجنبي؟"

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٥/يوليو/٢٠٢٠ ١٩:٥٩ م
التحديات التي تواجه عمان (١٤)..
"كيف نتمكن من جذب الاستثمار الاجنبي؟"

مرتضى بن حسن بن علي

إذا كانت هناك حاجة وأهمية لجذب الاستثمارات، فما هي العناصر الضرورية المساعدة لجذبها ودفع الإقتصاد إلى النمو، وتوفير فرص عمل جديدة ومجزية وتنويع مصادر الدخل، والنهوض بالناتج المحلي الاجمالي؟ صدور قانون للاستثمار الاجنبي في عام ٢٠١٩م بقدر ما هو مهم وضروري، لكنه غير كاف في حد ذاته لجذب الاستثمارات، فالمستثمر لا يتعامل مع جهة واحدة فقط، بل مع جهات متعددة لها قوانينها الخاصة، ومع وزارات مختلفة لها إختصاصاتها والتي تتداخل بعضها مع إختصاصات وزارات أخرى، وهي في محصلتها قد تعرقل جذب الاستثمارات. فما هي السياسات التي يجب إتباعها لجذب الاستثمارات؟ تجارب بعض الدول تفيد ان بعضا من السياسات التالية ساعدتها إلى جذبها:
١-إيجاد محطة واحدة لانهاء كل متطلبات تسجيل الشركات، مع منح الصلاحيات الكافية للهيئة العامة لترويج الاستثمارات وتنمية الصادرات "إثراء" لتتمكن من إصدار جميع الموافقات والتراخيص الخاصة المتعلقة بتسجيل الشركات نيابة عن المستثمرين خلال وقت محدد.تلك كانت واحدة من أهداف الهيئة عند تشكيلها في عام ١٩٩٦م، وفي ظل ذلك قد يكون ضروريا ان تكون الهيئة مرتبطة بجهاز مجلس الوزراء مباشرة، لتتمكن من إصدار جميع الموافقات والتراخيص الخاصة بالاستثمار كمحطة واحدة.
٢- إيجاد التنسيق بين الوزارات والجهات الحكومية المختلفة لعلاج اية مشكلة قد تحصل، وإتخاذ القرارات المدروسة والحاسمة والالتزام بها، ووضع نظم للمسائلة والمحاسبة والمتابعة.
٣- إيجاد رؤية واضحة عن المشاريع التي تحتاجها عمان خلال السنوات العشر القادمة، وإعداد الجدوى الاقتصادية لكل مشروع، وتكلفته التقريبية من قبل مكاتب تتمتع بالمصداقية، ومناقشة نوعية وأعداد المهارات العمانية المطلوبة لكل مشروع، مع الشركات المعنية وتدريبهم خارج عمان إن إقتضت الضرورة، وإحتساب التكاليف من ضمن تكلفة المشروع، بحيث يكون جميع الموظفين العمانيين جاهزين وقت إكتمال اي جزء من المشروع.
٤- البدء فورا بتطوير إستراتيجية شاملة لتحسين تنافسية عمان والارتقاء ببيئة الاستثمار، لكي تكون جاذبة للمستثمرين وتوفير حزمة فعالة من الاجراءات، بعد التباحث مع المستثمرين المحتملين، لمعرفة نوعية التحسينات المطلوبة التي يرونها جاذبة، ويشمل ذلك حزمة من السياسات لتخفيض الضرائب والرسوم وتطوير قانون الملكية للاجانب، بحيث يكون أشمل مما هو عليه الان.
٥- إيجاد نُظم فعالة للحوكمة حسب المعايير الدولية. الدراسات المختلفة تُظهر بوجود علاقة طردية بين الحوكمة وتدفق الاستثمارات المباشرة وإرتفاع الناتج المحلي الاجمالي وتوفير فرص العمل، أي إن الدول التي يكون ترتيبها مرتفعا في مؤشرات الحوكمة، يكون ترتيبها ايضا مرتفعا في تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة، والبيئة الجاذبة للاستثمار هي البيئة التي تتوفر فيها نظم المساءلة والمراقبة وجهاز إداري كفوء للدولة، وتدفق الاستثمارات هو بحد ذاته نوع من الثقة تُمنح لاي بلد يتمتع بحكومة رشيقة وتتخذ قرارات مدروسة، وتطبقها بحسم وتتابع تأثيراتها على الواقع.
٦- ضرورة توفير الاستقرار المالي الذي يعتبره المستثمرون مهما جدا، ومن الصعب جذب الاستثمارات المطلوبة عندما يكون تصنيف اي بلد ضعيفا من قبل المنظمات الدولية، وعدم تحسين الوضع المالي قد يدفع ايضا الى هروب الاستثمارات الموجودة او خفضها، والذي قد يفاقم من مشكلة الباحثين عن عمل.
٧- من المهم جدا السيطرة على العجز المالي المتفاقم عن طريق سياسات تهدف إلى ترشيد الانفاق الاستهلاكي والتقليل من العجز المتراكم، والحد من إتساع رقعة الائتمان، العجز المالي المستمر يؤدي إلى تخوف المستثمرين من إحتمال تعديل سعر صرف العملة الوطنية وعدم وجود المبالغ الضرورية لتحفيز الاقتصاد وإلى إرتفاع في نسب الفائدة على القروض، والعجز لفترات طويلة يؤدي الى نسب إقتراض مرتفعة وخطرة ، وخصوصا عندما يكون لتمويل الاستهلاك. لقد تمكنت دول "النمور الاسيوية" على سبيل المثال، من بناء إقتصاديات قوية بسبب إتباعها سياسات قائمة على عدم السماح بإرتفاع العجز عن مستويات معينة، وديون قليلة وخلق بيئات صديقة للاستثمار وقادرة على جذب إستثمارات كبيرة وتكوين مدخرات مرتفعة وإنفتاح على التجارة الدولية.
٨- تنويع مصادر الدخل مهم جدا للمستثمرين اللذين يخشون من البلدان المعتمدة على مصدر ريعي واحد، وهم يتطلعون إلى بلدان تسعى لاعادة هيكلة الاقتصاد لكي يعتمد على مصادر متعددة وتحريرالسوق بما في ذلك إجراء تعديلات جذرية في قانون العمل.
٨- ضرورة خصخصة معظم الشركات الحكومية، المستثمرون لا يرتاحون من إمتلاك الحكومات لوسائل الانتاج، لذلك من الضروري خصخصة الشركات، ولا سيما تلك التي تعاني من تخمة في العمالة الزائدة عن الحاجة، ومن خسائر متتالية، كما لا يرتاحون من تدخل الحكومات في تحديد اسعار السلع والخدمات.
٩- تقليل كلفة عناصر الانتاج والتي يراها الكثيرون مرتفعة، وتشمل الارض واليد العاملة والرسوم المختلفة وتكلفة رأس المال العامل والقروض والتسهيلات البنكية التي تعتبر فوائدها عالية ومعيقة للاستثمار، وعمان تعاني من نقص شديد في العمالة الوطنية الماهرة، وتحتاج الى جهود كبيرة لتدريبها وصقل مهاراتها، وغرس مفاهيم أخلاقيات العمل لديها، إضافة الى إجراء إصلاحات جذرية في نظامي التعليم والتدريب. المستثمرون يرون أيضا إن قوانين العمل بحاجة الى إعادة النظر فيها وتغييرها، ومن ضمنها عدم قدرة الشركات على تسريح الموظفين غير الملتزمين، وسياسات الحد الادنى من الاجور، والزيادة السنوية المفروضة في الرواتب بغض النظرعن كفائة الموظف وسياسات التعمين غير الواقعية، والسياسات المتعلقة بمنح مأذونيات جلب العمالة الوافدة المسببة لمشاكل كثيرة لكل الشركات الجادة والتي تقوم بتوظيف نحو ٩٥٪؜ من القوى العاملة الوطنية.
١٠-ضرورة إلتزام الوحدات الحكومية بتعهداتها المالية والإدارية واللوجستية في حال وجود تعاقدات مع المستثمرين سوء المحلين او الدوليين، وخاصة المالية لضمان التدفقات المالية والسيولة، وعدم الإخلال بذلك، وعدم فرض الغرامات من طرف واحد والتعامل مع المستثمر بعقلية الشراكة المبنية على العلاقة الصادقة والثقة فيما بين الطرفين.
من المهم الاشارة ايضا ان بيئة الاستثمار، ليست مسؤولية وزارة واحدة بعينها، وانما مسؤولية كافة الوزارات والجهات الحكومية.
تنفيذ عدد من النقاط الواردة اعلاه قد لا يتحقق بين ليلة وضحاها، فهناك حاجة لإتخاذ قرارات صعبة، المهم هو خلق مناخ من الثقة في رغبة وتصميم الحكومة بالنجاح وتجاوز التحديات، وذلك بحاجة الى الاعلان عن الخطوات التي سوف تأخذها الحكومة للوصول الى الهدف، مسلحة بمؤشرات واضحة، وفي ظني سوف يكون مفيدا تشكيل فريق عمل من مجموعة إقتصادية مصغرة داخل مجلس الوزراء الموقر، مكونة من وزراء المالية والتجارة والصناعة والقوى العاملة والمجلس الاعلى للتخطيط، تجتمع بصورة دورية مع غرفة تجارة وصناعة عمان وإثراء، لمناقشة مشاكل القطاع الخاص والعوامل التي تعرقل جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية من اجل تذليل الصعوبات والمشاكل لتحسين بيئة الاعمال ومناخ الاستثمار .