حملة غير منصفة على هذه الجمعية!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٩/أغسطس/٢٠٢٠ ٢٠:٣٧ م
حملة غير منصفة على هذه الجمعية!

بقلم: علي المطاعني
تابعتُ الحملة التي شُنّت على جمعية رعاية الأطفال ذوي الإعاقة في وسائل التواصل الاجتماعي، في ظل ما تواجهه من تحديات في تكيّفها مع الأزمات المتتالية التي تشهدها كغيرها من الجهات والمؤسسات المماثلة في العمل التطوعي في السلطنة، وكغيرها من الشركات والجهات الحكومية أيضا.

ويهمنا هنا التعرُّف على واقع هذه الجمعيات ودورها وإمكانياتها وكيفية تكيّفها مع المتغيّرات التي تلاحقها وإيجاد الحلول لها؛ فالجلد اللا رحيم الذي تتعرّض له من جانب ممّن وقفت معهم طيلة السنوات الماضية أمرٌ يحز في النفس، ثم إنّ نقلهم للصدام لمواقع التواصل لن يُوجِد حلولا لما هو مطروح من إشكالات، كما أنّه لن يجدي نفعا في ظل الأوضاع الراهنة، لكن عندما نجلس سويا إلى طاولة واحدة لنتدارس التحديات والصعاب في روية فما من شك أنّ ذلك يعدّ السلوك الحضاري المُفضي لإيجاد الحلول لأي خلافات كانت، وهذا - بكل المقاييس - أفضل من التلاسن على الهواء مباشرة ونشر الغسيل الخاص على الملأ.

فمساحات الحوار الشاسعة والمتوفرة في وسائل التواصل الاجتماعي لا ينبغي استغلالها لتصفية الحسابات الشخصية وعقد المحاكمات الصورية، ومن ثمّ إصدار الأحكام المفتقدة لأبسط أبجديات العدالة، هذا المنحى لا مكان له من الإعراب واقعيا، كما أنّ الأطر والتشريعات ليست ملزمة في إبقاء الأمور كما هي دون تغيير أو تحديث أو تبديل، فكل شيء قابل للحركة للأمام تحديثا، وللخلف تصحيحا.

بداية يجب أن نعي بأن الجمعية لم توقف العام الدراسي للأطفال ذوي الإعاقة وإنما استجابت كغيرها لقرارات اللجنة العليا المكلّفة ببحث آلية التعامل مع التطوُّرات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا وعبر وزارة التنمية الاجتماعية وهي الجهة المشرفة على هذه الجمعيات بوقف الدراسة كغيرها من مناهل التربية والتعليم، فهؤلاء الأطفال تحديدا مناعتهم أقل ومن الطبيعي أن تتخذ الجمعية كل الاحتياطات اللازمة لسلامتهم قبل كل شيء، فالمغالطات التي تنهال عليها من كل صوب ودون تبصر للواقع فيه الكثير من التنمّر والتهكم يجب أن يتوقف، فهذه الجمعية وغيرها تضطلع بمسؤوليات جسام وتعتمد في إنجاز رسالتها السامية على الهبات والتبرّعات وغيرها من مصادر التمويل الذاتية، وعندما تغرس الأزمة الاقتصادية أنيابها الحادة في عمق المؤسسات الاقتصادية المالية الكبرى في البلاد والعالم أيضا فمن الطبيعي أن تتأثر برامج هذه الشركات وفي مستوى تمويلها لبرامج المسؤولية الاجتماعية، فمن أين تأتي الجمعية بالأموال اللازمة لتسيير أعمالها، سؤال ربما لم يخطر ببال المنتقدين، كما أنها وبسبب الجائحة لا تستطيع إطلاق نداءات التبرّع والإغاثة، وفي هكذا حال فإنّ العاملين أيضا سيصيبهم ما أصاب الجمعية.

هذه الجمعية لديها أكثر من 140 موظفا وموظفة متوسط رواتبهم الشهرية أكثر من 70 ألف ريال، أي ما يقارب مليون ريال سنويا، مع بعض التكاليف التشغيلية للفئات الأكثر استحقاقا للرعاية وتكاليفهم كبيرة، فضلا عن أنها تدفع عشرة آلاف ريال شهريا لاشتراكات التأمينات الاجتماعية للموظفين والموظفات العُمانيين وفق النُظم التي ألزمت هذه الجمعيات بتسجيلهم في الهيئة وبعقود عمل. وبموجبه أضحت في وضع صعب بين سندان إدارة العمل كجمعية وبين مطرقة إدارتها كشركة يُفرض عليها ما يُفرض على القطاع الخاص، في حين أن أساس العمل فيها طوعي صرف.

ففي ظل هذه الظروف المالية الصعبة وتلك الالتزامات الثقيلة، كيف يتسنى لجمعية تطوعية أن تتصرّف في إدارة الموارد البشرية لديها بدون عمل وبدون موارد؟ وكيف تتجاوز الأزمة؟

كانت الجمعية الحاضن لهم في وقت كانت الظروف فيها مواتية والأعمال نشطة، فهل من المناسب لهم الخروج إلى العلن ليوجهوا سهام النقد لها وهي في الأصل تطوعية.

كما أن الدعوة إلى تحويل الجمعيات إلى حكومية وانضواء الموظفين تحت مظلة جهات حكومية دعوات من شأنها أن تلغي العمل الاجتماعي مفهوما ومعنى، وتزيل مؤسسات المجتمع المدني في السلطنة من الوجود، وتلغي التطوُّر الحضاري في المجتمع الذي يعد تطوُّر المجتمع المدني أكثر جوانبه المضيئة، فهذه الدعوات نظرتها قصيرة لا تتجاوز أصابع الأقدام، وتحيلها لقضايا شخصية لا أكثر.

من الحلول التي ينبغي أن تُطرح أنْ ننهض في حملات تسويقية شعبية فاعلة للإسهام في تعزيز موارد الجمعيات التطوعية التي تخدم الفئات المستحقة لكل الرعاية والاهتمام والعناية بها من خلال التبرّعات الإلكترونية والصدقات، وكذلك تخصيص مبالغ من الزكاة، فهذه الفئات وتلك الجمعيات أحق بالفضل معظمه، إضافة لتبرّعات من كافة العاملين في أجهزة الدولة لضمان موارد ثابتة ومستدامة لهذه الجمعيات.

فالموظفون العاملون في الجمعيات في مثل هذه الظروف التي توقفت فيها الدراسة يجب أن ينهضوا بتسويق الجمعيات وتعزيزها من خلال أفكار تسويقية خلاقة ومبتكرة، بل وتسخير طاقاتهم بما يُسهم في تسخير المزيد من الموارد لها.

نأمل أن نكون أكثر واقعية في معالجة الأمور وعدم إلقاء الاتهامات جزافا وعلى عواهنها وبغير تيقن، سيما في شأن جمعيات تطوعية تقدّم خدمات جليلة لفئات من المجتمع هي الأهم على الإطلاق.