إحياء السياحة في عالم ما بعد الوباء

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٧/سبتمبر/٢٠٢٠ ٠٩:١٧ ص
إحياء السياحة في عالم ما بعد الوباء

مسقط - الشبيبة

بقلم: محمد العارضي

كان قطاع السياحة من أول القطاعات التي تضررت بشدة خلال فترة الإغلاق والقيود التي فرضها انتشار وباء كوفيد-19 في بداية العام الحالي. في العام 2019 بلغت مساهمة السياحة بنسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين تقدّر شركة «ماكنزي أند كومباني» الأمريكية للاستشارات الإدارية، أن تهبط أرقام وصول السياح حول العالم بنسبة تتراوح بين 60 إلى 80 بالمائة، مع توقعات بأن الإنفاق السياحي قد لا يعود إلى مستويات ما قبل الوباء لغاية العام 2024.

ووفقاً لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، خسرت دول العالم 440 مليون مسافر دولي، الأمر الذي تسبب في خسارة عائدات تصدير بقيمة 460 مليار دولار في النصف الأول من العام الحالي، أي ما يعادل خمسة أضعاف خسائر عوائد السفر الدولية التي تم تسجيلها خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

في الشهر الفائت شهدنا بداية تخفيف القيود في نصف وجهات السفر العالمية تقريباً. وعلى الرغم من أننا نواجه إجراءات أمان جديدة من شأنها أن تغير تجربة السفر برمّتها، يجب أن نعتبر هذا الأمر فرصة مناسبة لضخ الموارد في قطاع السفر بهدف تحفيز النشاط الاقتصادي وبدء عملية التعافي من الخسائر الهائلة التي سبّبها الوباء.

وفي حين تعتمد الدول على قطاع السياحة والسفر بنسب متفاوتة، شهدت دول مجلس التعاون الخليجي نمواً سريعاً في هذا القطاع خلال العقود الأخيرة في ظل المساعي الرامية إلى تنويع اقتصاداتها وجعلها أقل اعتماداً على النفط.

ولا شك بأن منطقتنا العربية تزخر بالعديد من المواقع السياحية الجذابة التي تتصدر الوجهات السياحية العالمية، فضلاً عن التجارب الثقافية المتنوعة، وقربها من الطبيعة الخلابة، وخيارات التجزئة والترفيه العديدة والمتوفرة للسياح الذين يبحثون عن الترفيه بعيداً عن أعباء حياتهم اليومية.

وكنتيجة لتفشي وباء كوفيد-19 وتطبيق إجراءات الإغلاق والقيود العالمية، أصبح الناس اليوم أكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى الراحة والتخلص من الضغوطات غير المسبوقة التي تواجههم بشكل يومي. وقد أشارت الدراسات إلى منافع السفر بشكل عام، فهو يساعد على تعزيز الصحة النفسية والجسدية ورفاه الأفراد، ويحسن الإنتاجية، ويساعد على التخلص من التوتر وتحسين أنماط النوم على المدى البعيد.

لقد شهد تاريخنا المعاصر مولد العديد من أبرز العلامات التجارية العالمية بسبب المساعي إلى الارتقاء بالمجتمعات. ويعد والت ديزني من أهم الشخصيات التي حققت نجاحاً باهراً ولم تردعها أزمة الكساد الكبير التي بدأت في عام 1929 بالولايات المتحدة. فقد وجد والت ديزني في هذه الأزمة فرصة مثالية لإسعاد الناس عبر مشاركتهم حرفته الفنية الماهرة، وأدى اجتهاده المستمر وتفاؤله وإيمانه بأهمية الفنون خلال هذه الفترة الصعبة إلى ولادة إحدى أكثر العلامات التجارية الترفيهية المفضلة التي ما زالت تُسعد الناس والمستهلكين من خلال أفلامها ومنتجاتها التجارية ومتنزهاتها الترفيهية وشخصياتها المحببة.

وفي هذا السياق، يجب علينا أن نراجع نقاط قوتنا وأن نتفحص الأصول المتوفرة لدينا لكي ننهض باقتصادنا عقب الكبوة التي حصلت هذا العام.

لقد كانت الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات العائلية والمشغلّون الصغار أكثر الجهات المتأثرة سلباً بالوباء في جميع القطاعات. وقد حان الوقت لتقديم الدعم لتلك الشركات لكي نعيد بناء اقتصاداتنا وتلبية المتطلبات والطموحات المتجددة للسياح المحتملين. ويتعين علينا أيضاً في عصر التباعد الاجتماعي والبقاء في المنزل أن نركز على السياح القادمين من دولنا ومنطقتنا العربية علاوة على السياح من أنحاء العالم.

من الطبيعي أن يبحث الناس حالياً عن قضاء إجازات قصيرة في بلدانهم بحيث لا تتطلب نفقات عالية أو القلق من السفر عبر الطائرة. إن هذه الإجازات والإقامات القصيرة تساعدنا على الارتياح من متاعب الحياة اليومية وتساعد أصحاب المصلحة في قطاع السفر على تزويد العملاء بمجموعة من الخيارات المتنوعة في مدنهم أو بالقرب منها. ويمكن للشركات العاملة في قطاع الضيافة داخل المدن أو حولها أن تخصص باقات سفر تناسب اهتمامات وتطلعات السكان وتشجعهم على أخذ قسط من الراحة والاستجمام.

وعلاوة على ما سبق، يمكن لمجالس السياحة في المنطقة أن توحد جهودها لتزويد الزوار من الدول المجاورة بعروض سياحية جذابة وحوافز وصفقات مميزة من شأنها أن تشجع السكان على السفر بأمان والاستمتاع بعطلاتهم بالقرب من أماكن إقامتهم. وبالنسبة إلى الجهات الحكومية والشركات العاملة في القطاع السياحي، يجب عليها التعاون معاً لكي تكون هذه هناك عروض مناسبة للأجواء الحالية ويمكن تسويقها للجمهور المستهدف أو المهتم.

وعلى الرغم أن العام 2020 جلب معه سلسلة من الكبوات والأزمات غير المتوقعة، إلا أننا يجب أن نكون متفائلين. فقد حققت دول مجلس التعاون الخليجي إنجازات كبيرة خلال العقود القليلة الماضية ونجحت في تطوير مدن عالمية المستوى واقتصادات مبنية على المعرفة بسرعة، لترتقي بذلك إلى مصاف الدول المتقدمة عالمياً.

هذه ليست المرة الأولى التي نواجه فيها تحديات ضخمة ولن تكون الأخيرة، فقد خرجنا في الماضي من عدة أزمات اقتصادية وأصبحنا أكثر مرونة، وهذه الأزمة لن تكون استثناءً.

إن قطاع السياحة جزء لا يتجزأ من قصة نجاح دول المنطقة. ولا شك بأن التخطيط الاستراتيجي السليم واستخدام المصادر الصحيحة سيمكّننا من إلقاء الضوء مجدداً على أبرز عروضنا السياحية وسيؤدي في نهاية المطاف إلى التعافي الاقتصادي المنشود.