هل التعمين مسؤولية وزارة العمل وحدها؟

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٦/يناير/٢٠٢١ ٠٨:٥٧ ص
هل التعمين مسؤولية وزارة العمل وحدها؟

مسقط - الشبيبة

بقلم : علي المطاعني

تعقد وزارة العمل غدا الأربعاء المقبل مؤتمرا صحفيا للإعلان عن وظائف في القطاعين العام والخاص، وبالطبع ملف التوظيف هذا يعد أحد القضايا الشائكة وفق خبرتنا في التعاطي معه منذ عقدين من الزمان، ومن خلال عملي الإعلامي، لذلك أرى أنّ وزارة العمل ليست وحدها هي المسؤولة عن الإحلال والتعمين إذا لم تتكامل معها كل الجهات الحكوميّة لمعالجة هذا الموضوع البسيط والمعقد في ذات الوقت، ومن خلال إعادة النظر في إدارة العمل أو الإحلال في القطاعين العام والخاص، عبر تقسيم إدارة الإحلال على القطاعات التي تضم الجهات الحكوميّة المُختصة، حتى يغدو مؤشرًا من مؤشرات كل جهة ويتم تقييم أدائها على أساسه، ويبقى دور وزارة العمل موجهًا فقط وراسمًا للسياسات ومراقبا لما تمّ إنجازه وفق مستجدات سوق العمل ومتطلباته، وبدون ذلك سيبقى الأمر يراوح مكانه مثلما هو عليه الحال الآن. فجهة واحدة لا تستطيع إدارة ملف بهذه الضخامة، الأمر الذي يجعل التكامل بين كافة الجهات أمرًا لا مفرّ منه.. فنحن دائمًا ما نقول بأنّه ليست هناك مشكلة في سوق العمل بالبلاد، ولكن تبقى المعضلة في إدارة هذا العمل من خلال منظومة متكاملة لا يمكن اختراقها أو التحايل عليها أو تجاوزها، لكن إذا ما ظلّت مسألة إدارة التعمين والإحلال هذه تدار من قبل جهة واحدة فلا ينبغي علينا أن نُمني أنفسنا بإيجاد حلول لهذه الإشكاليّة.. ولكي نبسط الأمر أكثر نقدم أمثلة توضح الأمر بنحو جلي فإمكانيات وزارة العمل سواء البشرية أو الإدارية تجعل من الصعب عليها إدارة ملف يضم بين ثناياه مليونًا ونصف المليون عامل وافد، و250 ألف موظف عُماني، وأكثر من 300 ألف شركة، وبالمنطق فالوزارة لا يمكنها أن تسيطر على سوق بهذا الحجم تتضارب فيه المصالح، وتتعارض فيه الأطراف المعنيّة (صاحب العمل والعامل والجهة الحكوميّة المختصة للتوفيق بينهم).. فإذا لم تتعاون كافة الجهات الحكومية كلٌّ وفق اختصاصه ومسؤوليته فإنّ المعاناة سوف تستمر، والتحايل عجلته لن تتوقف، واللوم وتقاذف الاتهامات ستلوكه الألسنة، وهكذا سيستمر الحال.. الجانب الآخر أنّ مصالح الشركات ليست كلها لدى وزارة العمل عبر طلب المأذونيات، ولكنّها مرتبطة أيضا بالجهات الحكوميّة الأخرى في مجالات العقود والمشتريات الحكوميّة والتناقص للحصول على عقود عمل طويلة أو قصيرة الأجل، وكذلك التراخيص الخاصة التي تُمنح لمباشرة الأعمال، كوزارة الصحة للقطاع الصحي الخاص، والتربية والتعليم بالنسبة للمدارس الخاصة، والتراخيص الأخرى من كل الجهات، إذن فإنّ نقاط الارتباط والتلاقي نجدها لدى الوزارات أكثر من وزارة العمل، فإذا لم تضبط إيقاع الإحلال والتعمين في أعمالها وتتعاون، بل تتحمل مسؤوليته فإنّها لن تعبأ به أصلا.

ثمّ هناك نقطة مهمة وتتمحور حول من هو الأهم في علاقات العمل بالنسبة للقطاعات المختصة وأكثر درايةً، هل جهات الاختصاص أم وزارة العمل؟ فعلى سبيل المثال، الوظائف الصحية هل تعرف أسرارها وطبيعتها وزارة الصحة أم وزارة العمل؟ ومن هو الطرف الذي يستوعب أسرار المهن الطبية التي يجب أن يشغلها المواطن العُماني خريج الكليّات الطبية؟ وهكذا بالنسبة للجهات الأخرى من حيث علاقاتها ومعرفتها بطبيعة العمل في القطاعات أكثر من وزارة العمل.

إذن لا يجب أن تتهرب الجهات الحكوميّة من مسؤوليتها في القيام بهذا الواجب من الآن فصاعدا، بل هو الأهم في ما تقوم به من تنظيم لقطاعاتها في ظل الأوضاع والظروف التي لا تحتمل أي تسويف ومماطلة.. فاليوم هناك متغيّرات واضحة في السوق، تتمثل في أنّ هناك فائضا كبيرا في العمالة، نتيجةً لتراكمات الأوضاع الاقتصادية والصحية، ففي المرحلة القادمة لن تكون الشركات في حاجة ماسة لوزارة العمل لطلب مأذونيات وغيرها لكي تلزمها بنسب التعمين أصلا، أو الاستعانة بالعمالة الهاربة التي لا تعمل مع كفلائها، وكذلك عمل المواطنين في وظائف مؤقتة بدون عقود، كلّها سوف تقلل من الاستعانة بوزارة العمل في الفترة الراهنة والقادمة، وهنا يكمن دور الجهات المرخصة والمنظمة للأنشطة ذات العلاقة بأن تلعب دورا محوريا في إدارة الإحلال في قطاعاتها، فضلا عن أنّ التقنيات الحديثة أسهمت في تقليل أعداد العمالة بشكل كبير، أو القيام بأعمال من وراء البحار. فكل هذه تحديات تواجه سوق العمل، وبالتالي فإنّ مواكبة هذه التطورات لا تتأتى إلا من خلال إحكام السيطرة على السوق بواسطة منظومة عمل متكاملة في كافة أجهزة الدولة المدنية وغيرها بلا استثناء.. بل إنّ منظومة إدارة اللامركزية للإحلال من شأنها أن تأتي بمفعول أكبر، فعلى سبيل المثال هناك أكثر من 14 قطاعا للعمل يجب أن يُدار من قبل 14 جهة مسؤولة عن إدارة الإحلال في قطاعاتها، أفضل من أن يُدار من جهة واحدة مهما كانت إمكانياتها، فمعروف أنّ اللامركزية في العمل لها مفعول أكبر، مع بقاء دور وزارة العمل كموجه لسياسات التعمين والإحلال..وللتغلّب على كيفية تنفيذ الإحلال من خلال القطاعات الأكثر نفعا وجدوى أرى أن تكون هناك دائرة للتشغيل في كل قطاع تتبع للجهة التي تدير القطاع او تشرف عليه كالصحة والتعليم وغيرها، وتعمل هذه الدائرة كنقطة تواصل بين وزارة العمل والجهة التي تدير القطاع لتسريع الإحلال وإدارته وتذليل العقبات، فهذه الخطوة سوف تختزل الكثير من الجهد والوقت في تفعيل الإحلال.. هناك قطاعات ليس لها ارتباطات وثيقة بالجهات الحكومية كقطاع الخدمات والبيع بالتجزئة وغيرها، بالطبع هذه ستكون مسؤولية التعاطي معها على وزارة العمل وغيرها من الجهات أيضا، التي يجب أن تتحقق من التزامات الشركات بالإحلال والتعمين، وعدم التهرب منه، فكل ذلك وغيره هو ما يجب أن نعمله لكي نخرج من الحلقة المفرغة التي ندور فيها منذ سنوات وسببها ما ذكرنا وغيره، وهو ان مسؤولية الاحلال والتعمين ليست مسوولية جهة أو وزارة وانما حكومة اذا ردنا فعلا نتجاوز هذا الملف..بالطبع مثل هذه الأطروحات ستواجه باعتراضات كثيرة كغيرها، ولكن يبقى الهدف منها أكبر وأسمى، وهو تنفيذ الإحلال والتعمين من جانب الجهات الحكوميّة أكثر من غيرها، واضطلاع الجميع بالمسؤولية دون أن تُلقى على جهة بعينها، والتجارب لدينا كثيرة في هذا الشأن يمكن استحضارها كدليل على ما نطرحه.. نأمل أن تتبنى الحكومة هذا الاتجاه في الإحلال بحيث يغدو الكل مسؤولا، ويصبح أحد مؤشرات الأداء لكل جهة وللعاملين فيها، وعندها لن نجد باحثا عن عمل في البلاد، وبدون ذلك سوف ندور حول أنفسنا كما هو الحال منذ ثلاثة عقود من الزمن، والأيام بيننا شاهد وشهيد على ما قلناه، إذن اللهم فاشهد.