محمود محيى يكتب: كيف يخطط الصهاينة لإعادة احتلال غزة وسيناء؟

مقالات رأي و تحليلات السبت ٢٣/ديسمبر/٢٠٢٣ ١٤:٠٤ م
محمود محيى يكتب: كيف يخطط الصهاينة لإعادة احتلال غزة وسيناء؟
الكاتب الصحفي والخبير في الشأن الإسرائيلي محمود محيى

بينما يحصي إخواننا الفلسطينيون شهدائهم، ولا يجدون مستشفيات ولا أدوات طبية لعلاج جراحهم، وقبل أن يهدأ ضجيج مدافع جيش الصهاينة، وتكف طائراته عن القصف العشوائي للأبرياء في القطاع المنكوب، خرج علينا حاخام يهودي متطرف مجرم يدعى عوزي شرباف، يدعو حكومته الصهيونية لاعادة الاستيطان في غزة.

هذا الحاخام المتطرف قال خلال مؤتمر علني حضره عتاة المستوطنين المتطرفين بتل أبيب وبحضور أعضاء بالكنيست، إن "أمام إسرائيل فرصة تاريخية عظيمة لاستعادة أراضيها التوراتية" وتابع: "في هذه المرحلة العظيمة لدينا فرصة تاريخية مع اقتراب مجئ المسيح، فنحن في أيام فتح لنا فيها فتح عظيم للاستمرار في تحرير أرض إسرائيل في جنوب البلاد في غزة وما حولها".

الحاخام المتطرف لم يكتفي فقط بدعوت حكومته لاعادة احتلال غزة، بل وصل الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك قائلا: "لا شك إننا في حاجة إلى الصلاة وبذل كل ما في وسعنا من أجل تحرير منطقة سيناء بأكملها حتى نهر النيل، فهذه المنطقة جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل وهي مقدسة بقدسية أرض إسرائيل".

وفي الوقت الذي تخرج فيه هذه الأصوات الناعقة من حاخامات اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني لإعادة احتلال غزة وسيناء، خرجت شركة عقارات إسرائيلية بحملة إعلانية لبناء مستعمرات على شاطئ البحر في غزة، بسعر بخث، فالملصق الإعلاني الذي انتشر بالعبرية يزعم أن رغبة الإسرائيليين في امتلاك شقة أو "فيلا" على البحر لم تعد حلما، لأن الشركة بدأت، فعلا، في تهيئة الأراضي شمال القطاع، ووضعت رسومات هندسية، تشمل مستعمرات سبق تفكيكها بعد الانسحاب أحادي الجانب عام 2005، ومستعمرات جديدة استلهموا أسمائها من أسماء مستعمرات الغلاف التي اقتحمتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر.

الملصق الدعائي الذي نشرته شركة التطوير العقاري "هاري هزاهاف/ جبال الذهب" بالعربية، وفيديوهات جنود الاحتلال بالجرافات العسكرية يمهدون الأراضي شمال القطاع، كل هذه الإجراءات ليست مجرد إعلان ترويجي بل هو إعلان عن النوايا الإسرائيلية تجاه القطاع في اليوم التالي، لاسيما أن تصميم الملصق الدعائي بالعبرية له مغزى خطير، فقد اختارت الشركة وضع الرسومات الهندسية للمستعمرات المزمع إنشائها، وفي خلفيتها صورة تكشف الدمار والخراب الذي ألحقه القصف جيش الاحتلال للقطاع، وتحويل مبانيه إلى ركام.

ولا يتعلق الأمر هنا باستفزاز الشارع الفلسطيني المنهك من طول أمد الحرب، وقلة المساعدات، والمحبط من عجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار، ولكنه في الواقع "بالونة اختبار" للداخل الإسرائيلي الذي تغلبت فيه صيحات الانتقام على صوت العقل، وسيطرت فيه الرغبة في تركيع المدنيين الفلسطينيين، وإذلالهم باعتبارهم الحاضنة الشعبية للمقاومة الباسلة، وتزايدت الدعوات لاحتلال أجزاء من القطاع عقابا للشعب الفلسطيني وللمقاومة المشروعة على جرأتها في تنفيذ عملية كبرى مثل طوفان الأقصى.

ويجب الانتباه إلى أن "إعادة بناء المستعمرات" في قطاع غزة ليست حملة يتبناها قطاع صغير أو هامشي في إسرائيل، بل هي حملة آخذة في التزايد والاتساع دون أن يُلقي عليها الضوء الضروري.

وعلى الرغم من أن القانون الدولي يجرم بناء المستعمرات في الأراضي المحتلة، ويُجرم تغيير الواقع السكاني والجغرافي، فإن حزبان على الأقل في ائتلاف بنيامين نتنياهو يتبنيان هذه الحملة الإجرامية. ويرعى الحملة في الشارع السياسي نشطاء مشاهير من قادة المستعمرات، أبرزهم "دانييلا فايس" زعيمة حركة "نحالا الاستعمارية" التي نظمت مؤتمرا حاشدا بمشاركة شخصيات سياسية واجتماعية لتدشين الحركة للعودة لاستعمار القطاع بعد احتلاله، ويبارك الحملة أيضا عدد كبير من الحاخامات من أشهرهم الحاخام "عوزي شرباف" الذي ادعى في المؤتمر أن غزة وسيناء جزء من إسرائيل، وأن حدود هذا الكيان الاستعماري تمتد من النيل للفرات!

لقد أصبح لتيار المستعمرين المتشددين في إسرائيل وزن ملموس داخل حكومة نتنياهو، وفي الساحة السياسية بوجه عام. وصاروا يجاهرون بخططهم في مؤتمرات سياسية، وبرامج تلفزيونية، ويسعون لتنفيذ برامجهم بمخططات عقارية. ويمكن تلخيص المعادلة التي تستحوذ على تفكيريهم فيما يلي: "كلما زادت قوة إسرائيل العسكرية كلما زادت شهيتهم التوسعية".

وفق حديث مع الدكتور محمد عبود أستاذ الدراسات الإسرائيلية بمصر، أكد لي أن حملات إعادة استعمار غزة جذريا يرتبط بمخططات التهجير القسري والطوعي التي نسمع عنها منذ بداية الحرب، خاصة أن أي بناء للمستعمرات في القطاع الضيق جغرافيا، والمكتظ سكانيا، يستلزم تهجير بعض أو كل سكانه لصالح إحلال المستعمرين. وهو الأمر الذي صار يلقى قبولا في المجتمع الإسرائيلي على الرغم من الرفض العربي، والفلسطيني، وعدم قبول المجتمع الدولي.

عن الكاتب

- هو كاتب صحفي متخصص في الشؤون الإسرائيلية والديانة اليهودية.

- درس اللغة العبرية بجامعة عين شمس المصرية وحصل على دبلوم الدراسات العليا في الشؤون الإسرائيلية من كلية السياسة والاقتصاد بجامعة القاهرة

- له العديد من المؤلفات والتحليلات في الشأن الإسرائيلي تم نشرها بالعديد من الصحف العربية

للتواصل مع الكاتب

m.mohy@shabiba.com