محمد محفوظ العارضي يكتب: الاقتصادات الناشئة.. تكييف الخبرات ودراسات الحالة

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٧/فبراير/٢٠٢٤ ١٥:٥٤ م
محمد محفوظ العارضي يكتب: الاقتصادات الناشئة.. تكييف الخبرات ودراسات الحالة
محمد محفوظ العارضي

يتطلع القادة والمستثمرون في جميع أنحاء العالم إلى الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، بعدما حقق الاتحادان الاقتصاديان تقدماً ثابتاً خلال العقود القليلة الماضية. وعلى الرغم من الانتكاسات الاقتصادية العالمية، يتوقع الاتحادان نمواً إيجابياً، وعلى ضوء ذلك، يمكن للمقاربات الجماعية، إلى جانب تلك التي تعتمدها الدول الأعضاء بصورة فردية، توجيه مخططات وأطر الدول الأخرى.

لقد أسس الاتحادان لشراكات وثيقة، مما يشكّل عنصراً مهماً في التقدم الاجتماعي والاقتصادي بعيد المدى، وجانباً آخراً تطمح الأسواق الناشئة إلى تحقيقه خلال العقود المقبلة. وفي هذا السياق، يوجد مجال للتعاون الأوسع بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة آسيان بهدف دعم الدول الأخرى بالتوازي مع تنويع مصالحها.

بطبيعة الحال، ستواجه كل منطقة ودولة مجموعة خاصة من العقبات التي يتوجب عليها تخطيها، والتي تتراوح بين البنى السياسية وأطر الأعمال، وأنظمة التعليم، والصناعة، والعلاقات الدولية، والإيرادات، والتغير المناخي، وغيرها الكثير. لكن الأمل موجود دائماً، ولم يفت أوان البدء في التخطيط وحتى السعي للاستفادة من خبرات الدول التي تغلبت على تحديات مماثلة.

أعتقد أن مكانة سلطنة عُمان بالأخص تمكّنها من تنسيق التحالف بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي ورابطة آسيان والاقتصادات الناشئة، نظراً لمقاربتها المتميزة للسياسة الخارجية التي تشدد على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، وتولي الأولوية للسلام وللحفاظ على العلاقات الودية بين كل الجهات الفاعلة.

في المقام الأول، يجب على كل الأسواق الناشئة إجراء تحليل شامل لقطاع التعليم لديها والعمل على الإصلاح. ارتفع معدل الإلمام بالقراءة والكتابة في عُمان من 54.7% عام 1990 إلى نسبة مذهلة بلغت 97.3% عام 2022 بحسب تقارير البنك الدولي، ويمكن للدول الأخرى تحقيق نمو قوي كذلك خلال العقود المقبلة.

يشكّل محو الأمية والتعليم الابتدائي مجرد أساس يجب على الحكومات الانطلاق منه لدعم توسيع نطاق التعليم العالي والتدريب على المهارات. ومع توفر عدد لا يُحصى من الخيارات عبر الإنترنت، قد يصبح التعليم والتدريب في متناول مزيد من الفئات السكانية، لكن يجب إزالة العوائق أمام التكنولوجيا وغيرها من الموارد لضمان الاستفادة منها.

يوجد عدد هائل من دراسات الحالة المتعلقة بتوسيع وتطوير أنظمة التعليم، وفرص عديدة غير مستغلة لعُمان وللدول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي ورابطة آسيان لعقد الشراكات والاستثمار في قطاعات التعليم بهدف دعم محو الأمية والدراسات العليا والتدريب على المهارات والتوظيف في دول أخرى.

وإذ تشكّل مشاريع البنية التحتية في الدول الناشئة استثمارات ممتازة تمهد الطريق نحو المزيد من الابتكار وتدفق الإيرادات في المستقبل، ويمكن لدول الشرق الأوسط وآسيا التي طورت أطراً داخلية فعالة واكتسبت خبرات ضمن مجالات التخطيط الحضري وأنظمة النقل، إلى جانب تحسين سهولة ممارسة الأعمال، قيادة الدول الأخرى نحو إنشاء وإتقان المقومات اللازمة لدعم اقتصاداتها.

خلال العقود القليلة الماضية، رسّخت عُمان سمعتها كوجهة سياحية رائدة، حيث استقطبت الزوار من رجال الأعمال والسياح من كل أنحاء العالم. ونظراً للمقومات التي تمتلكها السلطنة، عبر فهمها لمجموعة واسعة من المشاهد الثقافية والسياسية والتجارية، وبناء السلام والعلاقات الجيدة وتحفيز المبادرات التي تحقق مصلحة جميع الأطراف المعنية، يمكن لعُمان قيادة الدول الناشئة في بناء الأطر والشراكات اللازمة لتأسيس قطاعات سياحية مزدهرة.

لقد ذكّرتنا الأحداث التي وقعت منذ تفشي فيروس كوفيد-19 بمدى ترابط العالم. إذ لا يمكننا نكران تأثير تلك الأحداث، ومن المهم بالنسبة للدول التي حققت أداءً جيداً نسبياً خلال تلك الفترة الصعبة النظر إلى الخارج وتقدمة مواردها، بدءاً من الخبرات في مجال الأعمال، ووصولاً إلى التعليم والتخطيط والمعرفة الصناعية وخطط الإصلاح النظامية وتكييفها لدعم الدول الناشئة، التي تمتلك جميعها القدرة على النمو وتحقيق أداء أفضل.

قد تكون الشراكات الاستراتيجية مع حلفاء عالميين أقوياء الدفعة اللازمة التي يحتاجها العالم لتحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية الدولية خلال العقود المقبلة. أدعو إخواني المواطنين العمانيين، من رواد الصناعة والشباب، إلى مواصلة تراثنا المبني على ريادة الأعمال والتحالف على نطاق يتخطى حدودنا الوطنية والإقليمية.

في حين يتوفر العديد من الفرص غير المستغلة في ما يخص الشراكات العالمية، يمكننا الاستفادة من أفضل ما حققته السلطنة، إلى جانب النجاحات التي حققتها دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى وكذلك دول آسيان، والتفاعل معها ودعم الدول التي تواجه تحديات لا تختلف عن تلك التي واجهتنا قبل عقود. ولا شك أن إنشاء الصناعات وتمكين المواطنين ليس بالأمر السهل، لكن وجهات النظر المتنوعة والرغبة في التعاون على تحقيق المصالح المشتركة يمكنها إنجاز الكثير.

-انتهى-